السبت، 28 يوليو 2012

سمات وشئون وأفعال إلهية (I)


إن كل ما نسب إلى الله عز وجل من أفعال أو سمات إنما ينسب إليه علي ما يليق بذاته أخذاً في الاعتبار أن القرآن هو كتاب عربي مبين، وكذلك الأمر بخصوص العبارات القرآنية التي ورد فيها اسمه مقترنا بظرف زمان أو مكان، والمسلم ملزم بأن يؤمن بكل ما ورد منسوباً إليه سبحانه وعليه أن يفقهه علي ضوء الأسس العامة وهي أنه ليس ثمة اختلاف أو تناقض في الكتاب العزيز وأن هذا القرآن قد أنزل وجعل قرآنا عربيا، فهو يستعمل الأساليب العربية الفنية والبلاغية والمجازية، ولقد نزه الله سبحانه نفسه عما يصفون وليس عن السمات التي نسبها إلى نفسه، ذلك لأن حقيقة الاسم هي السمة التي يشير إليها، فالاسم هو الذات من حيث سمة من لوازم حقيقتها، فهو سبحانه منزه عن تصوراتهم وليس عن سماته الحسنى، ذلك لأن له الأسماء الحسني، لذلك فنسبة الظرفية الزمانية أو المكانية إليه ليست كنسبتها إلى غيره، كما أنه منزه عن الجسمية ولوازمها من التقيد المكاني فلقد كان ولا زمان ولا مكان، فله الإحاطة بما قيد به مخلوقاته من الأطر الزمكانية، فلا يجوز الحديث عما كان قبل خلق الأكوان من مراتب، ولكل مرتبة قبل الزمان الإحاطة بالزمان، والمسلم ليس ملزما بمثل هذا التعمق وإنما هو ملزم بالمعاني الظاهرة البينة لما جاء في الكتاب العزيز إذا ما ألزم نفسه بأسس التعامل مع هذا الكتاب وما ورد فيه.
--------------------
إن وجود حقائق علمية وسمعية وبصرية وكذلك وجود حواس وملكات لدي الكائنات تلائم تلك الحقائق إنما يستند إلى سمات إلهية ربانية فما هو موجود هنا هو من آثار ما هو هنالك، فلابد من استناد الحقائق الخلقية إلى حقائق أمرية، ولابد من استناد الكل إلي حقائق إلهية، لذلك يمكن اعتبار ما هو هنا أمثال مضروبة لما هو هنالك، ولولا تلك الأمثال التي ضربها بنفسه للناس لما عرفوا عنه شيئا، فعلي المسلم الاكتفاء بالأمثال التي ضربها لنفسه لا التي ضربها الناس له بل إن المسلم مأمور بألا يضرب له الأمثال وبأن يعلم أنه ليس كمثله شيء وأن له المثل الأعلى في السماوات والأرض.  
--------------------
إن الله سبحانه هو الحق من حيث ثباته لنفسه علي ما هو عليه ومن حيث وجوب كينونته وطلاقتها الذاتية ومن حيث تحقق تجلياته المفصلة لسماته التي هي لوازم حسنه المطلق ومن حيث أن كل ما هو سواه إنما يتحقق به ومن حيث أنه اقتضى اتساق القوانين والسنن التي هي الحق المحض فلا تبديل لها ولا تحويل ومن حيث أن كلامه هو الصدق المطلق.
--------------------
إن كل كائن متحقق بحيث تصدر عنه آثار خاصة به تكشف عن حقيقته، ووجود الشيء (أو كينونته) هو ذلك الأمر المشترك بين الكائنات والذي بتوفره يمكن أن تصدر تلك الآثار وهي القابلية والفاعلية……إلخ، والإمكان الذهني الذي لدى الإنسان والذي به يمكن أن يميز بين الماهية أو الصورة الذهنية من ناحية وبين الكائن المتحقق الذي له تلك الماهية من ناحية أخري إنما يستند إلى أصل إلهي، والوجود من حيث هو وجود هو أمر واحد كما تكون الشجاعة من حيث هي شجاعة أمر واحد، ولكن هذا لا يعني أن الوجود بهذا المعني هو أمر مشترك بين الخالق وخلقه أو أنه هو عين الوجود أو الوجود من حيث هو وجود، فإن هذا القول لا يعني شيئا وليست له جدوى وينطوي علي جهل بحقيقة الخالق، ووحدة مفهوم الوجود هي كوحدة مفهوم السمع مثلا فهي أمر بديهي ولكنه لا يقدم دليلاً علي أنه سبحانه عين وجود الأشياء أو أن وجودها وجوده، والحق هو أن وجودها إنما هو به وله؛ فهو قائم به مقدر به ومخلوق له منفعل به، فوجودها لا يزاحم وجوده ولا يقترن معه في نظم واحد ولا في عبارة واحدة، وما يجب العلم به هو أنه سبحانه كائن حقيقي له الأسماء الحسني ولكن كينونته ستظل دائما فوق مستوي تصور أي كائن مهما ارتقي واتسع إدراكه، ولكنه رحمة بعباده يتجلى لهم من حيثيات معينة ويتقرب إليهم وإلا لما أدركوا عنه شيئا، فلابد من التدلي ليكون الدنو.
--------------------
إن كل معني من حيث هو معني هو أمر واحد، وهذا لا يستلزم وحدة الكائنات أو اتحادها ولا يعطي الإنسان الحق في أن يزعم أن سمات الخالق كصفات المخلوق، فليس من حق الإنسان أن يتجاوز بما لديه من مفاهيم وتصورات قدرها ولكن عليه أن ينزه خالقه عن تصوراته وأن يعلم أن صفاته هي مقتضيات سمات خالقه وأنها من لوازم تفصيلها وإظهارها.
--------------------
إن المعاني الأولية كالحياة والعلم والإرادة هي أبسط المعاني وبالتالي لا يمكن تعريفها تعريفاً دقيقاً وإنما يمكن تفصيلها وبيان مقتضياتها ولوازمها وآثارها، أما إدراكها فهو أمر ذوقي قلبي ليس بحاجة إلى إثبات، ولكن يجب دائما التمييز بين السمة أو المعني من ناحية وبين المجال اللازم للظهور والتفصيل من ناحية أخري خاصة وأن نفس اللفظ يطلق عليهما في اللغة العربية.
--------------------
إن كل مقتضيات سمات الله وكل ما هو مترتب عليها هو يمارسها من حيث كل عالم من أزل هذا العالم إلى أبده فهو يخلق ويقدر ويدبر الأمر ويفصل الآيات ويبدع ويظهر قدراته وإمكاناته، ولقد كان من أسباب وجود الزمان وتقديره ضيق العوالم المشهودة عن استيعاب ما لا يتناهى من إبداعاته التي يترتب بعضها علي البعض.
--------------------

لقد ظن البعض أن من الخطأ القول بأن أفعال الله سبحانه معللة بالحكمة وإلا لكانت الحكمة حاكمة عليه، وكان عليهم أن ينفوا أيضا أن أفعاله معللة بالرحمة أو بالرأفة…..إلخ، فقاسوه بذلك علي خلقه وفصلوا بينه وبين سماته التي هي لوازم ماهيته، وعاملوا سماته علي أنها كيانات خارجية مستقلة عنه، ويتضمن قولهم الزعم بأن أفعاله عشوائية، ولهؤلاء يجب القول بأن من يفعل ما تقتضيه سماته الذاتية التي هي لوازم كنهه الذاتي لا يكون مجبرا أو مكرها علي فعله أو محكوما عليه وإنما المحكوم عليه هو من يُحمَل علي فعل تأباه طبيعته وسماته، لذلك فظنهم خاطئ وقضيتهم وهمية وباطلة، ولكن مع ذلك لا يجوز نسبة العلة والتعليل إليه، بل يجب القول بأن أفعاله تتضمن حكما ومقاصد، وهي إنما تتم بسريان سننه التي هي مقتضيات أسمائه وسماته ومن بينها الحكمة، والذين يحاولون أن يجردوا أفعاله من سماته يجعلونها بذلك تتم بمقتضى العشوائية المحض؛ فذلك هو ظنهم بربهم.

--------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق