يزعم
بعض الجهلة والمغرضين والمغفلين أن مصر قد فقدت استقلالها منذ غزو الفرس ولم يعد
إليها إلا علي أيدي الضباط الأغرار، ووجد هذا الزعم هوي لدي كل من يريد تحطيم
الإنسان المصري وتعميق إحساسه بالنقص والدونية وكل من يريد السطو علي إنجازاته عبر
العصور وكذلك لدي كل من يريد ترسيخ الاستبداد والقهر والطغيان، والحق هو أن مصر قد
عاشت مستقلة لأحقاب ممتدة متطاولة لم يرق إليها أي وطن آخر علي مدي التاريخ إلا
إذا كان يقع في ركن قصي من الأرض أو كان لا شأن له ولا تأثير علي الحضارة
الإنسانية، ولقد عاشت واستمرت حضارة مصر القديمة لآلاف السنين قبل بدء تدفق الغزاة
عليها، ومصر لم تفقد استقلالها إلا علي أيدي الآشوريين لفترة قصيرة ثم الفرس ثم
الرومان ثم العثمانيين فتلك هي الفترات التي يمكن اعتبار أن مصر كانت مستعمرة فيها
ويلاحظ أن ما حاق بمصر علي أيدي هؤلاء هو ما تعرضت له كافة الشعوب في منطقة الشرق
الأوسط، فلم تنفرد مصر به بل إنها كانت دائما أكثر المناطق صمودا في وجه هؤلاء وأن
من صمد فقد كان صموده بسبب دعمها وحمايتها له، أما الهكسوس فلا يعرف شيء محقق
عنهم، وكل ما هو معروف يؤكد أنهم شعب هاجر إلى مصر واستوطن شمالها الشرقي وتمصر
واعتنق فرعاً أو مذهبا من الدين المصري القديم وأن عاصمتهم كانت في مصر، أما اللوبيون
فهم سكان صحراء مصر الغربية المتاخمة للوادي ولا شأن لهم بما يعرف الآن بليبيا
وإنما هم من بقي بالصحراء من سكان مصر الأقدمين ولم يهاجروا إلى الوادي فهم من
الأقوام التي ساهمت أصلا في تكوين المصريين القدماء وكانوا يعيشون علي هامش
الحضارة المصرية ويتفاعلون دائما معها؛ فهم مصريون مهمشون، ولأنهم كانوا يعملون
كجند مرتزقة في الجيش المصري فإنهم وجدوا الفرصة لبعض الوقت لتملك أمور مصر
وحكموها كمصريين من عاصمة مصر، وهذا ما ينطبق أيضا علي النوبيين، أما اليونان فلقد
استوطنوا مصر لعهد طويل قبل الإسكندر وعملوا في كافة المجالات وأقاموا مستوطنات في
الدلتا واستعملهم الفراعنة كجند مرتزقة فلما استقل البطالمة بمصر فإنهم تمصروا،
وهم وإن تمسكوا بلسانهم اليوناني فإنهم كانوا يستمدون كل مقومات وجودهم من مصر ولا
يدينون بالولاء لدولة أخري ولا يؤدون لها الجزية ولا يعملون لحسابها، أما ما يقال
عن سوء معاملتهم لمن استوطن مصر من قبلهم فإن صح فإنه لا يسقط عنهم مصريتهم وكم من
مصري استوطن أجداده مصر منذ آلاف السنين كان وبالاً عليها، أما الحضارة التي نشأت
علي عهدهم فهي حضارة مصرية يونانية سكندرية وكان العلماء مثل إقليدس وغيره من
علماء الطب والفلك مصريين سكندريين، وكذلك الفلاسفة مثل أفلوطين كانوا مصريين وإن
كتبوا باليونانية، ويجب علي مصر ألا تترك تراثها نهباً لكل من هب ودب.
المراجع (من كتب المؤلف أ. د. حسني
أحمد):
1-
نظرات في التاريخ، 2008.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق