إن
الصيام طبقاً لمفهوم دين الحق هو الإمساك أو الامتناع الاختياري عن التلبية
الفورية لمطالب الإنسان المترتبة على مقتضياته الجسدية وذلك في سبيل تزكية نفسه
والقيام بحقوق كيانه الجوهري وتذكير نفسه بأنه لا يحيا بالجسد وحده، فالصيام هو الذي كُتب، والحد الأدنى اللازم للوفاء به هو صوم
رمضان، ويجب أن يوطن الإنسان نفسه علي الصيام بالمعاني الأخرى فيلتزم بالصمت لمدد
يعتد بها من حين إلي آخر ويعتزل الناس كذلك من حين إلي آخر وأن ينوي دائماً أن يكف
أذاه وشره عنهم.
------------
إن كل مؤمن مكتوب عليه الصيام بمفهومه العام الذي كان
دائماً معلوماً لأنه من أركان دين الفطرة، وهو مطالب به بقدر وسعه، فالمسلمون
كانوا يمارسون الصيام مثلما تعلموه من ملة إبراهيم الحنيفية كوسيلة لتزكية النفس
من قبل أن يكتب عليهم، وعندها فقد تم عن طريق القرآن تنقيحه وتعديل ونسخ بعض
أحكامه والإبقاء على البعض الآخر، ومن ذلك مثلا أن أيام الصيام بعد أن كانت
اختيارية أصبح المقصود بها شهر رمضان على سبيل الإيجاب والإلزام، كما أصبح لا حرج
عليهم في الرفث إلى نسائهم في ليالي الصيام بعد أن كان ذلك محرما عليهم في ملة
إبراهيم عليه السلام.
------------
الصيام
هو التعبد لله تعالى بترك بعض الرغبات الجسدية التي هي محللة أصلاً مثل المفطرات
والجماع من طلوع الفجر إلى الليل، وهذا يتضمن بالأولى والأحرى ترك ما هو محرم أصلا
مثل الغيبة والنميمة وقول الزور واللغو والرفث وكذلك ترك كل ما فيه شبهة وكل ما
يمكن أن يستجد من وسائل إشباع الرغبات الجسدية، لذلك يجب وجوبا قطعيا الامتناع عن
تعاطي المخدرات والدخان أثناء الصيام، إنه يجب دائما أن تؤخذ المقاصد المنصوص
عليها في الاعتبار، ومن مقاصد الصيام المعلنة التحقق بتقوى الله وأداء واجب الشكر
لله، ولا شك أن تعاطي الدخان أو مشاهدة ما يسمى بالأفلام الجنسية مثلا يتعارض
تماما مع ذلك المقصد، فلا يمكن أن يشكر الإنسان ربه باقتراف ما يحرضه على معصيته.
------------
إن الصيام هو امتناع اختياري عن تناول ما هو مباح
تحقيقاً لمقاصد سامية مثل تزكية النفس والتحقق بالتقوى وشكر الله تعالى، وهو من أركان
دين الفطرة ولابد منه لضمان سلامة البنيان الإنساني والكيان الجوهري، وهو ينبغي أن
يكون صياماً حقيقيا وليس مجرد تغيير مواقيت تناول الوجبات أو تركيزها في وجبتين،
ويجب أن تقل الكمية الإجمالية لما يتناوله الإنسان من طعام علي مدى اليوم عن
الكمية المعتادة.
------------
إن
الصيام هو الامتناع الاختياري لفترة محددة عن الاستجابة لمطالب الكيان المادي للإنسان
من طعام أو شراب أو جماع، فالامتناع عن تلك الأمور التي اقتضتها الطبيعة البشرية هو
أيضاً إشارة إلي ضرورة الإمساك الباطني عن مقتضيات الطبيعة النفسية الإنسانية، وهو
من مقتضيات إلزام الكيان الأدنى بمطالب الكيان الجوهري الأعلى، فليس بالوفاء بمطالب
الجسد فقط يحيا الإنسان وإنما يحيا كيانه الجوهري بنور ربه وبكلماته وبروح منه، وبذلك
أيضاً يتذكر الإنسان أن ربه هو الأحد الصمد المتين المنزه عن كل ما يتصف به
مخلوقاته، فهو المنزه عن الحاجة إلى مدد خارجي من الطعام والشراب وهو المنزه عن
الاتصاف بما لا يتفق مع حسنه وكماله الذاتي المطلق، وبذلك التذكر يتطهر الإنسان
مما يخالف مقتضيات الإيمان فلا يسيء الظن بربه ويعلم أنه إذا كان الإنسان يستطيع
أن يتطهر ولو لمدة محدودة من مقتضيات الطبيعتين البشرية والإنسانية والتي هي من
لوازم نقص ماهيته الحقيقية فإن ربه الذي له الكمال الذاتي المطلق منزه تنزيهاً
ذاتيا عن كل ذلك وأنه لهذا أحق أن يعبد وحده لأن كل من هم دونه مهما بلغت مراتبهم
الكمالية دائرون في فلكه ومنجذبون إليه وما لديهم من كمال إنما هو منه وكل من هم من
دونه آلات بيده وهو الآخذ بنواصيهم والمستوى على عروشهم.
والصيام هو
الامتناع عما يخالف مقتضيات الإيمان والتقوى والشكر لله وما يقتضيه ذلك من الامتناع
الاختياري عن مطالب الكيان المادي للإنسان من طعام وشراب وجماع لفترة محدودة،
فالامتناع الثاني وسيلة لتحقيق الامتناع الأول وإشارة إلى أنه ليس من طاقة الإنسان
في كل الأحوال وإنما هو مقصد يسعى إليه، فالإنسان يوطن نفسه ويعقد العزم على الإمساك
عما يخالف مقتضيات الإيمان والتقوى والشكر وهو يعلم أن هذا أمر فوق طاقته ووسعه
وفوق طاقة كيانه النفسي ولكنه يتقوى على ذلك بامتناعه عن أمور لا يستطيع الامتناع
عنها تماما وبصفة دائمة لتقيده بكيانه المادي، وكل ذلك من سبل تزكية النفس وتحقيق
المقصد الأعظم الثاني، فالامتناع عن تلك الأمور التي اقتضتها الطبيعة البشرية هو
عنوان على الإمساك الباطني عن مقتضيات الطبيعة الإنسانية.
------------
إن الصيام
يشير إلي أنه علي الإنسان الإمساك عما يخالف مقتضيات الإيمان والتقوى والشكر لله، ومحدودية
الفترة التي يجب فيها الصوم إشارة إلى أنه ليس من طاقة الإنسان في كل الأحوال الإمساك
عما يخالف هذه المقتضيات وإنما هو مقصد يسعى إليه، أما الامتناع عما يخالف مقتضيات
التقوى فيعنى ألا يغفل الإنسان عن ذكر ربه وأن يستشعر دائما حضوره الذاتي معه
بكافة أسمائه الحسنى.
أما الإمساك
عما يخالف مقتضيات الشكر فهو ألا ينسب الإنسان إلي غير ربه ما هو فيه من نعمة وأن يعلم
أن كل ما به من نعمة وما هو له من صفات كمال إنما هو من الله سبحانه وتعالى وأنه
ليس للإنسان إلا نقصه الذاتي وأنه لا يمتلك شيئاً ما امتلاكا حقيقيا وإنما هو
مستخلف فيه لأجل معلوم، ومن أعظم النعم على الإنسان تحقق كيانه وتمتعه بالوجود، فعليه
ألا يسيء استعمال ما أنعم الله به عليه واستخلفه فيه وأن يحسن استعمال كل ذلك طلبا
لمرضاة الله سبحانه وتعالى أي لتحقيق
مقاصد الدين العظمى.
------------
إن القيام بالصيام يشير بالأولى إلى ضرورة
القيام بأركان أخرى مثل تزكية النفس والقيام بحقوق أسماء التنزيه والانتهاء عن
الفحشاء والمنكر، فالامتناع عما هو إثم محرم هو أولى من الامتناع عما هو محلل.
------------
إن المقصد من الصيام هو التحقق بالتقوى وبالشكر لله تعالي، والتقوى
هي كل ما يترتب علي الإحساس الصادق بالحضور الإلهي والمعية الإلهية، فالصيام إذاً
هو السبيل إلى تنمية الإحساس بالقرب الإلهي والمعية الإلهية، ذلك لأن سبيل التقرب إلي
الله سبحانه وتعالي هو الاتصاف بمقتضيات سماته، والصيام هو إعلان من أنية الإنسان
وكيانه الجوهري بالاستعلاء علي الجسد ومطالبه ومقتضياته وبأن الإنسان يستطيع أن
يحيا دون حاجة إلي مدد خارجي من الأشياء المادية الدنيوية وأن يكتفي بكيانه الأعلى
والأبقى، وهو بذلك أيضا يتذكر الإله الأعظم وكيف يحيا غنيا بذاته عن كل ما هو من
دونه.
والصيام مرتبط بالزكاة وبإطعام الطعام، وتلك صفات إيجابية مستندة إلي سمات إلهية ومنها الكرم والجود وإرادة الإحياء
والإعطاء، وبذلك يجمع الإنسان بين مقتضيات ومظاهر التسبيح وبين مقتضيات ومظاهر
التسبيح بالحمد، فكل تلك العبادات تقرب الإنسان من حضرة ربه وتزيد من تحققه بالتقوى
وبها يكون في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر في الدنيا قبل الآخرة.
------------
والصيام
هو وسيلة الإنسان لقهر الجانب البهيمي من كيانه والذي هو مدخل الشيطان إلي نفسه،
وهو أيضا مراد لمقاصده ومنها التحقق بالتقوى والشكر لله تعالى، وصيام رمضان
بالمعنى المعلوم هو الحد الأدنى اللازم للوفاء بهذا الركن، وهذا الركن من مقتضيات
القيام بحقوق الأسماء الإلهية التنزيهية والتي هي من تجليات ومظاهر الأحدية
والصمدية، والصيام هو من أفعل الوسائل اللازمة لتزكية النفس وتذكير الإنسان بطبيعة
كيانه الجوهري، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الامتناع عن الصيام أو عن
تحقيق مقاصده والافتتان بالجسد وشدة الانشغال بمطالبه، و صوم رمضان من أركان
الإسلام الفطري وهو أيضاً من أركان الإسلام الظاهري التي يجب الاحتفاء بها
وإعلانها لإظهار الانتماء إلي الأمة.
والصيام واجب علي كل إنسان يجد أنه في طاقته، وهو في ذلك
رقيب علي نفسه، أما من يجد أنه في حاجة إلي بذل ما هو فوق طاقته ليتمكن من الصيام
وأن حالته هذه لا سبيل إلي تغييرها فعليه أن يطعم مسكيناً عن كل يوم وجب عليه
صومه، وممن ينطبق عليهم هذا الأمر الشيخ الكبير أو من يمارس عملاً شاقاً مضنياً في
درجات حرارة عالية جداً أو منخفضة جدا…إلخ.
والصيام لا يعني مجرد الامتناع عن الطعام والشراب
والجماع في النهار فقط ولكنه يتضمن الامتناع عن تعاطي ما فيه شبهة أو ما هو محرم
بالأولى، والإسلام هو دين مقاصد وحكم، فتحريم الجماع أثناء الصيام يتضمن تحريم كافة
صور الإشباع الجنسي أخرى، أما التدخين فهو محرم في الصيام وفي غيره، والتدخين محرم
لأنه يتضمن التبذير والإسراف وتبديد الموارد وإلقاء النفس في التهلكة والاعتداء
على حقوق الآخرين وظلم النفس والغير، ويجب أن يعلم كل إنسان أن الرب سبحانه
وملائكته ليسوا بهيئة بيروقراطية لا يهمها إلا السلامة الشكلية للإجراءات، ولكن
للأسف كان هذا الاعتقاد هو المهيمن على أئمة ما يسمى بـ(الفقه)، وآية ذلك قولهم
دائماً: "يكون قد أداها وتسقط المطالبة بها" دون أن يبينوا للناس من
أعطاهم السلطة ليتفوهوا بقول كهذا ولا أن يبينوا لهم عند من ستسقط المطالبة.
وتعاطي المخدرات بأية صورة من الصور هو محرم أيضاً في
الصيام وفي غيره للأسباب السابق ذكرها فيما يتعلق بالتدخين، وآثاره كما هو معلوم
أشد وأخطر من التدخين أو تعاطي الخمور، وإذا كان الإسراف والتبذير في تعاطي الطعام
من الأمور المنهي عنها نهياً صريحا مع أن تعاطي الطعام ليس محرما فكيف بتعاطي ما يتضمن
التبذير والتبديد وإهلاك الموارد والإمكانات.
إن التدخين وتعاطي المخدرات هو من تبديد الموارد وإهدار
الطاقات؛ فهما من صور الفساد، ومن يروجون لذلك هم من المفسدين في الأرض، والإفساد
في الأرض هو من كبائر الإثم التي ستتسع على مدى العصور، فكل الصور المستجدة للفساد
والإفساد في الأرض هي من كبائر الإثم التي يجب اجتنابها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق