السبت، 28 يوليو 2012

سمات وشئون وأفعال إلهية (I)


إن كل ما نسب إلى الله عز وجل من أفعال أو سمات إنما ينسب إليه علي ما يليق بذاته أخذاً في الاعتبار أن القرآن هو كتاب عربي مبين، وكذلك الأمر بخصوص العبارات القرآنية التي ورد فيها اسمه مقترنا بظرف زمان أو مكان، والمسلم ملزم بأن يؤمن بكل ما ورد منسوباً إليه سبحانه وعليه أن يفقهه علي ضوء الأسس العامة وهي أنه ليس ثمة اختلاف أو تناقض في الكتاب العزيز وأن هذا القرآن قد أنزل وجعل قرآنا عربيا، فهو يستعمل الأساليب العربية الفنية والبلاغية والمجازية، ولقد نزه الله سبحانه نفسه عما يصفون وليس عن السمات التي نسبها إلى نفسه، ذلك لأن حقيقة الاسم هي السمة التي يشير إليها، فالاسم هو الذات من حيث سمة من لوازم حقيقتها، فهو سبحانه منزه عن تصوراتهم وليس عن سماته الحسنى، ذلك لأن له الأسماء الحسني، لذلك فنسبة الظرفية الزمانية أو المكانية إليه ليست كنسبتها إلى غيره، كما أنه منزه عن الجسمية ولوازمها من التقيد المكاني فلقد كان ولا زمان ولا مكان، فله الإحاطة بما قيد به مخلوقاته من الأطر الزمكانية، فلا يجوز الحديث عما كان قبل خلق الأكوان من مراتب، ولكل مرتبة قبل الزمان الإحاطة بالزمان، والمسلم ليس ملزما بمثل هذا التعمق وإنما هو ملزم بالمعاني الظاهرة البينة لما جاء في الكتاب العزيز إذا ما ألزم نفسه بأسس التعامل مع هذا الكتاب وما ورد فيه.
--------------------
إن وجود حقائق علمية وسمعية وبصرية وكذلك وجود حواس وملكات لدي الكائنات تلائم تلك الحقائق إنما يستند إلى سمات إلهية ربانية فما هو موجود هنا هو من آثار ما هو هنالك، فلابد من استناد الحقائق الخلقية إلى حقائق أمرية، ولابد من استناد الكل إلي حقائق إلهية، لذلك يمكن اعتبار ما هو هنا أمثال مضروبة لما هو هنالك، ولولا تلك الأمثال التي ضربها بنفسه للناس لما عرفوا عنه شيئا، فعلي المسلم الاكتفاء بالأمثال التي ضربها لنفسه لا التي ضربها الناس له بل إن المسلم مأمور بألا يضرب له الأمثال وبأن يعلم أنه ليس كمثله شيء وأن له المثل الأعلى في السماوات والأرض.  
--------------------
إن الله سبحانه هو الحق من حيث ثباته لنفسه علي ما هو عليه ومن حيث وجوب كينونته وطلاقتها الذاتية ومن حيث تحقق تجلياته المفصلة لسماته التي هي لوازم حسنه المطلق ومن حيث أن كل ما هو سواه إنما يتحقق به ومن حيث أنه اقتضى اتساق القوانين والسنن التي هي الحق المحض فلا تبديل لها ولا تحويل ومن حيث أن كلامه هو الصدق المطلق.
--------------------
إن كل كائن متحقق بحيث تصدر عنه آثار خاصة به تكشف عن حقيقته، ووجود الشيء (أو كينونته) هو ذلك الأمر المشترك بين الكائنات والذي بتوفره يمكن أن تصدر تلك الآثار وهي القابلية والفاعلية……إلخ، والإمكان الذهني الذي لدى الإنسان والذي به يمكن أن يميز بين الماهية أو الصورة الذهنية من ناحية وبين الكائن المتحقق الذي له تلك الماهية من ناحية أخري إنما يستند إلى أصل إلهي، والوجود من حيث هو وجود هو أمر واحد كما تكون الشجاعة من حيث هي شجاعة أمر واحد، ولكن هذا لا يعني أن الوجود بهذا المعني هو أمر مشترك بين الخالق وخلقه أو أنه هو عين الوجود أو الوجود من حيث هو وجود، فإن هذا القول لا يعني شيئا وليست له جدوى وينطوي علي جهل بحقيقة الخالق، ووحدة مفهوم الوجود هي كوحدة مفهوم السمع مثلا فهي أمر بديهي ولكنه لا يقدم دليلاً علي أنه سبحانه عين وجود الأشياء أو أن وجودها وجوده، والحق هو أن وجودها إنما هو به وله؛ فهو قائم به مقدر به ومخلوق له منفعل به، فوجودها لا يزاحم وجوده ولا يقترن معه في نظم واحد ولا في عبارة واحدة، وما يجب العلم به هو أنه سبحانه كائن حقيقي له الأسماء الحسني ولكن كينونته ستظل دائما فوق مستوي تصور أي كائن مهما ارتقي واتسع إدراكه، ولكنه رحمة بعباده يتجلى لهم من حيثيات معينة ويتقرب إليهم وإلا لما أدركوا عنه شيئا، فلابد من التدلي ليكون الدنو.
--------------------
إن كل معني من حيث هو معني هو أمر واحد، وهذا لا يستلزم وحدة الكائنات أو اتحادها ولا يعطي الإنسان الحق في أن يزعم أن سمات الخالق كصفات المخلوق، فليس من حق الإنسان أن يتجاوز بما لديه من مفاهيم وتصورات قدرها ولكن عليه أن ينزه خالقه عن تصوراته وأن يعلم أن صفاته هي مقتضيات سمات خالقه وأنها من لوازم تفصيلها وإظهارها.
--------------------
إن المعاني الأولية كالحياة والعلم والإرادة هي أبسط المعاني وبالتالي لا يمكن تعريفها تعريفاً دقيقاً وإنما يمكن تفصيلها وبيان مقتضياتها ولوازمها وآثارها، أما إدراكها فهو أمر ذوقي قلبي ليس بحاجة إلى إثبات، ولكن يجب دائما التمييز بين السمة أو المعني من ناحية وبين المجال اللازم للظهور والتفصيل من ناحية أخري خاصة وأن نفس اللفظ يطلق عليهما في اللغة العربية.
--------------------
إن كل مقتضيات سمات الله وكل ما هو مترتب عليها هو يمارسها من حيث كل عالم من أزل هذا العالم إلى أبده فهو يخلق ويقدر ويدبر الأمر ويفصل الآيات ويبدع ويظهر قدراته وإمكاناته، ولقد كان من أسباب وجود الزمان وتقديره ضيق العوالم المشهودة عن استيعاب ما لا يتناهى من إبداعاته التي يترتب بعضها علي البعض.
--------------------

لقد ظن البعض أن من الخطأ القول بأن أفعال الله سبحانه معللة بالحكمة وإلا لكانت الحكمة حاكمة عليه، وكان عليهم أن ينفوا أيضا أن أفعاله معللة بالرحمة أو بالرأفة…..إلخ، فقاسوه بذلك علي خلقه وفصلوا بينه وبين سماته التي هي لوازم ماهيته، وعاملوا سماته علي أنها كيانات خارجية مستقلة عنه، ويتضمن قولهم الزعم بأن أفعاله عشوائية، ولهؤلاء يجب القول بأن من يفعل ما تقتضيه سماته الذاتية التي هي لوازم كنهه الذاتي لا يكون مجبرا أو مكرها علي فعله أو محكوما عليه وإنما المحكوم عليه هو من يُحمَل علي فعل تأباه طبيعته وسماته، لذلك فظنهم خاطئ وقضيتهم وهمية وباطلة، ولكن مع ذلك لا يجوز نسبة العلة والتعليل إليه، بل يجب القول بأن أفعاله تتضمن حكما ومقاصد، وهي إنما تتم بسريان سننه التي هي مقتضيات أسمائه وسماته ومن بينها الحكمة، والذين يحاولون أن يجردوا أفعاله من سماته يجعلونها بذلك تتم بمقتضى العشوائية المحض؛ فذلك هو ظنهم بربهم.

--------------------

الجمعة، 27 يوليو 2012

من أركان الإسلام: الإيمان بكتاب الله العزيز والعمل بمقتضى هذا الإيمان والقيام بحقوق هذا الكتاب


هذا الركن يقتضي القيام بحقوق الكتاب العزيز بالإيمان به وتلاوة آياته وتعلمه وتعلم ما يتضمنه من الحكمة وقراءته وتذكره وتدبر آياته وتزكية النفس به والعمل بمقتضى ما يتضمنه.
وهذا الركن هو ركن ركين من أركان الدين، ولقد قدم الله تعالي مقتضياته وتفاصيله علي ما تواتر أنه من الأركان (مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة) كلما ذكر معها.
إن القيام بحقوق القرآن يقتضي الإيمان به وتلاوة آياته وترتيله وتعلمه وتعلم ما يتضمنه من الحكمة وقراءته وتذكره وتدبر آياته وتزكية النفس به وتعظيم قدره واتخاذه إماما والعمل بمقتضى ما يتضمنه، كما يقتضي اتخاذه المرجع الأوحد في كل أمور الدين الكبرى والمرجع الرئيس في الأمور الثانوية، وهذا بدوره يقتضي أن يستمد كل مرجع شرعيته ومصداقيته من القرآن وحده.
------------
إن المسلم ملزم بالإيمان بالقرآن العظيم وبأنه كلام الله وهديه الذي أنزله وفصَّله وبينه للعالمين، وهو ملزم بالإيمان بأن الله قد حفظ كتابه من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان وبالإيمان بأن القرآن هو َكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، فالقرآن هو الكتاب الوحيد الذي يستمد براهينه من ذاته ويبين نفسه بنفسه ويقيم الحجج على صحة ما فيه بآياته، أما الكتب السابقة فقد كانت تستمد مصداقيتها وحجيتها مما يقدمه النبي من آيات مادية خارجية أي من أمور خارقة، أما سائر المصادر أو الأصول الأخرى كما يسمونها فإنها لا تستمد مصداقيتها فيما يتعلق بالأمور الدينية إلا منه وهو الحاكم والمهيمن عليها. إن التفقه في القرآن وتدبره ليس مقصوراً على المتكسبين بالدين ولكنه ركن ديني ملزم لكل مسلم، ولو عمل المسلمون على القيام به حق القيام لما انهاروا ولما تفرقوا شيعا ولاختفى الجهل.
------------
من لوازم وتفاصيل ركن الإيمان بالقرآن والقيام بحقوقه: تلاوته-قراءته-الإنصات لقراءته-إعمال كافة الملكات القلبية فيه ومن ذلك تدبره والتفكر فيه-اتخاذه المرجع الأوحد في كافة الأمور الدينية الكبرى والمرجع الرئيس في الأمور الثانوية-اتباعه وحده وعدم اتباع أولياء من دونه-عدم جعله عضين بل الأخذ به كله-اختيار ما اختار الله فيه-عدم اتباع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة-ألا يجد الإنسان في صدره حرج منه...، قال تعالى:
{وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً}الكهف27، {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}العنكبوت45، {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }البقرة121، {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ }فاطر29، {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}، {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} المزمل 20، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}ص29، {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ}المؤمنون68، {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}النساء82، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}محمد24، {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }الأنعام25، {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون }التوبة127، {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً }الإسراء46، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً }الكهف57، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }الأنعام97، {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }الأنعام105، {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }التوبة11، {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }فصلت3، {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِين} (الأعراف: 2)، {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (الفرقان: 30)، {وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ{170}} (الأعراف)، إن الآيات تبين كيف أن تفاصيل هذا الركن مقدمة على إقامة الصلاة.
------------
قال الله سبحانه وتعالى:  {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }هود1، فكل آية من آيات الكتاب كانت أصلا كياناً أمرياً محكما وكانت بذلك أيضاً في غاية الإتقان، ثم فصِّلت بحيث يمكن أن يدركها الإنسان، وهذا التفصيل يأخذ زمنه المعلوم، فهو يتم شيئاً فشيئا بعد التفصيل الأول الذي ترتب عليه أو الذي كان من لوازم الإنزال، والإحكام والتفصيل يتم بفعل الاسم الإلهي الحكيم الخبير، ولقد كان الكتاب محكما، وكذلك كان إنزاله الأول، ثم توالى تفصيله.
------------
إنه إذا كانت المشنا أو المثنا تثني التوراة فإن الكتاب العزيز يثني نفسه بنفسه وبيانه يكون منه وبه، قال سبحانه وتعالى:  {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}الزمر23، فالكتاب متشابه وهو مثاني، فطبيعته تلك هي من سماته الذاتية؛ فلا يثنِّـيه غيره، وهو متشابه لكونه صالحاً لكل زمان ومكان؛ أي لطبيعته العالمية؛ أي لكونه للناس كافة.
------------
إن هذا القرآن قد أنزل بعلم الله، فهو بذلك من مقتضيات سمة العلم الإلهية، وما يتضمنه هو أيضاً من العلم الإلهي، فمصطلح العلم يطلق على السمة كما يطلق على مجالها؛ فهو بذلك يتضمن المعلومات اللازمة لكي تتحقق لكل كيان إنساني مقاصد الدين العظمى الخاصة به.
------------
إنه بإدمان قراءة وتدبر القرآن وإعمال ملكات القلب فيه يترقى كيان الإنسان الجوهري ويبرمج للعمل وفق المنهج والمنطق القرآني ويجد في القرآن البينات التي يمكن الاستناد إليها والانطلاق على هديها.
------------
إن على من يريد التعامل مع القرآن أن يدرك أنه كتاب متشابه وأنه يتضمن آيات متشابهات، وهذا يتضمن أن هذه الآيات تتحدث عن أمور غيبية؛ أي خارج نطاق الخبرة البشرية وفوق كل المدارك والتصورات البشرية، كما يتضمن أنه متسق اتساقاً ذاتياً مطلقاً؛ فآياته تتعاضد وتتكامل وتتآزر ويبيِّن بعضها بعضا، فالقرآن مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء، فيجب أن يبحث الإنسان عن تأويل ما غمض عليه فيه نفسه، فمن آمن بذلك وعمل بمقتضاه سيهتدي، أما من سلك سبيل التربص بالقرآن ومحاولة تلمس أي اختلافات فيه فسيكون عليه عمى وسيضل، قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }فصلت44.
------------
إنه من لوازم تحقيق مقاصد الدين أن يقرأ الإنسان آيات القرآن بحيث يستخرج منها ما يجب أن يتحلى به أو يتطهر منه من الصفات وما يجب عليه الالتزام به أو اجتنابه من الأفعال، وعليه في سبيل ذلك أن يعلم أن القول بالنسخ بالمعني الذي اصطلحوا عليه -والذي يتضمن أن ثمة آيات قد انتهي حكمها أو بطل العمل بها- هو من الكفر البواح ومن الظن السيئ برب العالمين ومن الجهل بقدره العظيم؛ فالقول بالنسخ هو من كبائر الإثم المضادة لهذا الركن، وإني أتحدى أعداء القرآن وعبيد المذاهب وشياطين الإنس والجن أن يأتوا بآية قرآنية تكون موجودة في المصحف ومنسوخة في الوقت ذاته!!!
------------
إن تشابه آيات الكتاب قد ترتب عليه أن كثيرا من الأحكام ورد فيها عدة آيات، ولكل آية دلالة للحكم لم ترد في الآيات الأخرى، فالجمع بين الآيات يؤدي إلي استخراج مفهوم عام وتصور شامل لتفاصيل المسألة المراد فقهها، ولقد اقتضى التشابه أن الآية الواحدة قد تتضمن أحكاماً عديدة وأوامر متنوعة وكلمات (معلومات) متعددة، وكان ذلك مثلاً لبيان أن حكماً معيناً يستند إلى اسم معين وغير ذلك من أسرار القرآن، فالقرآن كتاب متعبد بتلاوته، وهو كتاب يؤدي إعمال الملكات فيه وقراءته وتدبره إلي رقي الكيان الجوهري الإنساني.
إنه لمعرفة حكم القرآن في أمر ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار كل الآيات التي تذكر شيئاً عن هذا الأمر مع العلم بأنه ليس في القرآن آيات منسوخة، فلكل آية قرآنية حجيتها ومصاقيتها، كما يجب دائما النظر في السياق الذي وردت فيه الآية وأن يؤخذ في الاعتبار معاني المصطلحات القرآنية التي سبق معرفتها.
------------
يتضمن هذا الركن الإيمان بالقرآن وتلاوة آياته وتعلمه وتعلم ما يتضمنه من الحكمة وقراءته وتذكره وتدبر آياته، والإيمان هو التصديق الإيجابي بكل ما أورده الكتاب من معلومات؛ فهو الذي يدفع الإنسان إلي العمل وفق مقتضيات ما آمن به، والعلوم الطبيعية من وسائل زيادة ثـقة الإنسان وإيمانه بما أورده الكتاب العزيز من المعلومات لأنه لا يمكن أن يكون ثمة تناقض أو اختلاف بين آيات الكتاب المقروء وبين آيات الكتاب المشهود، والعلوم الطبيعية تساعد الإنسان علي فقه أفضل لآيات الكتاب وتساعد علي تطهير تفسيره مما دسه وأورده الأسلاف من آراء وخرافات.
------------
إن معظم الناس لم يعرفوا قدر ربهم بما يكفي لسعادتهم ونجاتهم وما قدروا خطورة أن يكلمهم عن طريق الرسالة ولا أن ينزل عليهم كتاباً يتضمن ما يريد منهم أن يعرفوه وأن يلتزموا به وأن يعملوا بمقتضاه، لقد تحالفت قوى لا حصر لها لدفع الناس إلى اتخاذ كتاب ربهم مهجورا وذلك بتضخيم شأن كل ما هو من دونه وبتحريف معاني ودلالات المصطلحات وباستحداث وافتعال مصطلحات وبتقديم الأمور الذاتية والشخصية علي الأمور الموضوعية والحقانية.
------------
إن البيان هو عكس الكتمان، فتبيين القرآن يكون بإظهاره كله وتلاوته وقراءته عليهم أما التفسير أو التأويل فهي أمور أخرى، ويجب العلم بأن القرآن ككل هو كتاب متشابه وهو يتضمن إلي جانب آياته المحكمات آيات متشابهات، وهو مع ذلك ليس بكتاب أحاجي وألغاز وليس بكتاب مشفر، ولكنه كتاب عربي مبين أنزل على أمة أمية لا عهد لها بفلسفات ولا بتقاليد كهنوتية عريقة؛ ولقد نزل بلسانهم آخذاً في الاعتبار أحوالهم، ولقد يسره الله للذكر ولكي يفقه الناس ما فيه ويعملوا بمقتضاه.
------------
إنه ليس لدى البشر من الألفاظ ما يصلح لأن يعبر عما ليس لديهم خبرة به فضلاً عن كل الأذواق والخبرات والأحاسيس والمعاني التي تتوارد عليهم في حياتهم، لذلك كان لابد من استخدام الأساليب اللغوية والبلاغية المتنوعة ولابد من استخدام اللفظ الواحد للتعبير عن أكثر من معني يتبين من السياق اللغوي، وذلك مما يؤدي إلي ما يعرف بالتشابه، ولذلك يكون أول ما يبادر إليه ذهن الإنسان إذا سمع عبارة متشابهة أن يبحث عن تأويلها؛ أي عن المدلول الحقيقي لها، والذي هو أصلها ومآلها.
------------
إن مصطلح التأويل في القرآن إرجاع الأمر إلي أصله الذي ينطبق في كثير من الأحيان مع مآله (إذا كان الأمر ذا طبيعة حلقية) ويعني إدراك المعني الخفي أو إدراك الكيان الأمري الغيبي المصاحب لكيان خلقي ويعنى تحقق أمر لما يتحقق وتعينه، وليست الرؤى المنامية فقط هي التي بحاجة إلى تأويل ولكن الوقائع الخارجية أيضا.
أما التأويل في اصطلاح الناس فيعني تحريف معاني النصوص القرآنية أو صرف الآيات عن معانيها الحقيقية الجادة في سبيل إلزام الناس بالظنون والأهواء أو ما ينتج عن محاولة لي عنق الآيات لتدعيم الآراء المذهبية، وأشد المذاهب إمعاناً في التأويل الضال هم الشيعة ومن تأثر بهم من أصحاب المذاهب الباطنية وأشدها عزوفاً عنه هم السلفية.
------------
إن معظم نصوص القرآن بينة بذاتها لكل من يجيد اللسان العربي إجادة معقولة، ومعظمها لم يرد بشأنها مرويات من التي أقحموها على الدين بحجة تبيين القرآن ثم استخدموها للقضاء عليه، ورغم إجماع جمهورهم علي ظنية ثبوت معظم المرويات فإنهم جعلوا لها الحكم على نصوص القرآن التي هي قطعية الثبوت، وكل هذا من تلاعب الشيطان بهم.
إن النص القرآني يختلف كليا عن النصوص الأدبية البشرية في كونه يحمل تشريعات وأحكاما وأوامر ونواهي ومعلومات عن عالم الغيب بمختلف طبقاته ودرجاته، وهو مصاغ ليؤدي مهام محددة منها أن يخرج الناس من الظلمات إلي النور وأن يزكي نفوس من آمن به وأعمل ملكاته القلبية فيه.

الأربعاء، 25 يوليو 2012

من الأسماء الحسنى: الْوَهَّـابُ


الْوَهَّـابُ

قال تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }آل عمران8، {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }ص35،  فهذا الاسم من الأسماء الحسنى، وهو من أسماء النسقين الأول والثاني، والوهاب هو المعطى الذي لا ينتظر من عباده جزاءاً ولا عوضا، والذي يتسع مجال عطائه كما يليق بذاته، والعبد إذ يتوجه إلى ربه من حيث هو الوهاب يعلم أنه لم يقدم ما يجعله مستحقا لما يطلبه، والهبات قد تكون مادية أو معنوية، ولديه سبحانه خزائنها كلها إذ هو أصل كل الكمالات ومصدرها كما أنه هو الذي أبدع وقدر وخلق كل العطايا المادية والمعنوية.
فالوهاب هو الذي يهب من هم دونه العطايا والهبات والنعم المادية والمعنوية ؛ الخلقية والأمرية، وذلك دون انتظار عوض منهم ودون توقع شيء مما لديهم إذ ليس لديهم إلا عدمهم الأصلي ونقصهم الذاتي، وهو سبحانه يهب الرحمة وهي أمر معنوي لطيف كما يعطي الملك وهو التحكم في كائنات مادية كثيفة، فهو سبحانه أصل كل كمال وكل ما يكون به الكمال، وهو يهب دون تكلف أو تعمل أو تصنُّع فهباته مفاضة دائمة منه ولكن لا يتلقاها إلا من استعد لها ومن تزكى حتى أصبح أهلا لقبولها.
وكرمز فإن الواو إشارة إلي كل ما له علاقة بالكيان محل الوهب كالإنسان مثلا والتي يمكن له الانتفاع بها، والهاء إشارة إلي أنها أصلا من عالم الغيب وهي إشارة إلي أصل ومصدر كل شيء وأنها من مظاهر الرحمة اللانهائية بالإنسان، والباء إشارة إلي أنها به سبحانه تنتقل من غيب إلي شهادة ومن باطن إلي ظاهر وإلي أن منه كان ابتداؤها.

المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد المتعافي):
1-           الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2-           الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار،  2002.
3-           الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار،  2003.
4-            المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5-            نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6-            نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7-            نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8-            من هدي الآيات، 2006.
9-            المقصد الديني الأول، 2006.
10-       نظرات في السنن والمرويات، 2006.
11-       الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
12-       نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
13-       نظرات عامة جديدة، 2007.
14-       نظرات في التاريخ، 2008.

الأربعاء، 18 يوليو 2012

من أركان الإسلام: الصيام (2)


لقد ورد في أمر الصيام الآيات الآتية:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{183} أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{184} شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{185} وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ{186} أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ{187}.
ويلاحظ أن الآيات حرصت على ذكر المقاصد وعلي حث الناس علي توكيد صلتهم بربهم، ويزعم  البعض أن الآية الآمرة بصيام رمضان قد نسخت الآية التي قبلها، والحق هو أنه ليس ثمة نسخ هاهنا ولا في أي مكان آخر من الكتاب، والآيتان 183-184 تلزمان المسلم بالصيام إجمالا، فكان المسلمون يصومون أياماً معدودات فوِّض إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيانها أو تركت لاختيارهم، وهذا أمر كان يعني الجيل الأول فقط ولا يعني أحداً من الأجيال اللاحقة، ثم فُرِض صيام رمضان، فمن صامه فقد وفي بما فرضته الآيتان المذكورتان، فليس ثمة أدنى تناقض، ولا يوجد ما يمنع المسلم من أن يلزم نفسه بصيام أيام أخر بالإضافة إلى صيام رمضان، فآية الأمر بصيام رمضان لم تنسخ الآيات السابقة لا من حيث الشكل ولا من حيث الحكم ولا من حيث المضمون، فما زال الصيام مكتوباً علي المسلمين، وما زال الصيام خيراً لهم، ومازالت التقوى من مقاصده، ومازال المسلمون ملزمين بصيام أيام معدودات، ومن ألزم نفسه بصيام أيام معدودات في غير رمضان بطريقة منتظمة أو لأي سبب شرعي فقد لزمته الأحكام المنصوص عليها في الآيتين 183-184، فآيات القرآن مصاغة بحيث لا يمكن أن تتعرض للنسخ، أما الذي من الممكن أن ينسخ فهو حكم التزم به أهل القرن الأول لفترة ما، وهو بالطبع لم يرد في القرآن، والمسلمون من بعد ليسوا مطالبين بمعرفة ماذا كان هذا الحكم ولا بالتفتيش عنه إلا لأغراض البحث التاريخي، ومن أمثال ذلك نهي النساء عن زيارة القبور ثم السماح لهن بذلك.
والآيات تبين أن الصيام بصفة عامة هو ركن من أركان الدين، وقد كُتب على المسلمين كما كتب على الذين من قبلهم، ولذلك كان المسلمون يصومون متبعين ملة إبراهيم كما كانوا يصلون في البداية مثلهم، فكانوا لذلك يصومون أياماً معدودات وكان لا يحل لهم في ليلة الصيام الرفث إلى نسائهم.
فكان ثمة حكم شرعي معلوم لم يرد في القرآن يمنعهم من الرفث إلى نسائهم في ليلة الصيام، ولقد نسخ الله هذا الحكم بما هو خير منه لما يتضمنه من التيسير ورفع الحرج عنهم؛ فأحلَّ لَهُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِهُمْ، وكان ذلك بعد أن تبين للرسول ولهم هم عملياً أنهم كانوا يجدون مشقة في الالتزام بهذا الأمر، وقد يقول قائلهم: ألم يكن الله يعلم ذلك من قبل؟ فالجواب هو أن ما يقال إنه كان معلوماً من قبل هو في الحقيقة أمر مقدر، والعلم يحيط به من حيث ذلك ومن حيث هو كذلك، أما العلم بمعناه الحقيقي فهو يتعلق بالأمر الظاهر المتحقق، فكثير من التشريعات الجزئية إنما تبنى على هذا العلم ولا تبنى على العلم بالأمر المقدر، وتلك هي سنة الله في هذا الأمر، ويجب التأسي بها والعمل بمقتضاها عند سن أي تشريع جديد وعند التعامل مع الناس، فلا يجوز أن يصدر أحدهم على الناس حكماً ملزماً تترتب عليه آثار هامة بناء على تقديراته (توقعاته) حتى وإن كان على ثقة من صدقها وصحتها، وإنما بناءً على ما صدر عنهم بالفعل، وكون الأمر قد تم كذلك هو تصديق للآيات القرآنية التالية:
{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة106، {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}الأعراف157.
فالذي نُسِخ هو الحكم الذي كان ملزما لأهل الكتاب وللمتمسكين ببقايا ملة إبراهيم، وبذلك تبين للناس أنه كان من مهام الرَّسُول النَّبِيّ الأُمِّيّ أن يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، كما تبين للناس عظيم فضل الله عليهم ورحمته بهم.
فيجب العلم بأنه لم يتم نسخ أي آية قرآنية بتقرير هذا الحكم الجديد وإنما الذي نُسخ هو حكم كان ملزماً للناس من قبل وورد في شريعة أخرى؛ فلا نسخ في القرآن، فالمراد في الآية في قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}البقرة106 هو حكم أو نص ديني في شريعة سابقة.
والأحكام المتعلقة بالصيام واضحة في الآيات، فَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، فَمَا جَعَلَ الله عَلَي الناس فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، أما من يجد مشقة تفوق المشقة المعتادة أثناء الصيام لسببٍ ما بما في ذلك أنه كان مريضاً أو على سفر ويعلم أنه قد لا يتمكن من قضائه من بعد فعليه أن يطعم مسكيناً عن كل يوم لم يصمه، والإنسان على نفسه بصيرة فيما يتعلق بأمر الصوم وفيما يتعلق بكل العبادات الفردية، فهو المفوض لكي يقرر مدى طاقته وإطاقته، وهو بالطبع سيتخذ قراره بناءً على ما لديه من التقوى، وكل إنسان هو مبتلى في الحياة الدنيا ليتبين له عمله ومرتبته وحقيقة أمره، فالأوامر الدينية التي مجالها هو الإنسان المكلف المخير المبتلى ليست كالقوانين الطبيعية ولا كالقوانين البشرية.
ولقد كان المسلمون يصومون أياماً معدودات فوِّض إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيانها، وكانوا في ذلك متبعين لملة إبراهيم، ثم فُرِض صيام رمضان، فمن صامه فقد صام الأيام المعدودات ووفي بما فرضته الآيتان المذكورتان، وتلزمه في هذه الحالة الأحكام الواردة في الآية الآمرة بصيام رمضان، أما من ألزم نفسه بصيام أيام معدودات لأي سبب من الأسباب فهو ملزم بكل ما ورد في الآية التي تذكر أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وهكذا فلا نسخ في القرآن، فالقرآن مصاغ بحيث لا يتعرض أي شيء فيه للنسخ الذي اصطلحوا عليه.
------------
لقد بينت الآيات أن الصيام كتب علي المؤمنين أي علي الذين آمنوا بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما أنزل عليه واتبعوه وبينت المقصد من الصيام وهو التحقق بالتقوى والشكر، فالأمر بالصيام ليس بالأمر التحكمي، ذلك لأنه سبحانه لن تنفعه عبادة الثقلين، فما كتبه عليهم هو لصالحهم، فالتقوى هي مناط التفاضل الحقيقي، وهو سبحانه يرشدهم إلي سبيل من سبلها، ولقد كتب عليهم ما يمكنهم من التحقق بها والتزود بها، ولقد كانوا يصومون أولا أياما معدودات ترك أمرها مبهما في القرآن تمهيدا لإلزامهم بصيام رمضان من بعد، وبذلك لا يكون ثمة اختلاف في القرآن ولا مبرر للقول بالنسخ، فلا تعارض بين هذه الآية وبين الآية التي ستلزمهم بصيام رمضان، وهكذا تدرج بهم التشريع ولم يطالبوا بصيام رمضان بمجرد كتابة الصيام عليهم، والآية (البقرة: 184) ترخص لمن كان مريضا أو علي سفر بأن يقضي من أيام أخر بقدر ما أفطر، أما من يجد مشقة في الصوم لا يرجى برؤه منها سريعا فعليه الفدية، أما قوله سبحانه وتعالى: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} فهو حث علي صيام التطوع وغيره من النوافل، وقوله: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} ليست حثا علي ترك الرخصة وإنما هي بيان لأهمية الصيام بصفة عامة وأنه خير للإنسان، فهي حث علي الالتزام بتلك العبادة وليست تفضيلا للصيام بالنسبة لمن تقدمت حالاتهم، فالآية 185 لم تنسخ الآية 184 وإنما جعلت صيام رمضان هو الصيام المكتوب الملزم، أي جعلت صيام الأيام المعدودات متضمناً في صيام رمضان، ولما كان المسلم غير ملزم بمعرفة التطورات التاريخية التي صاحبت عصر النبوة فإنه يكفيه أن يعرف أن الآية 185 هي بيان وتفصيل إضافي للآية السابقة عليها، وهذا هو المفهوم القديم والأصلي للنسخ، فهو لا يعني إزالة آية أو إزالة حكم آية وإنما بيانها وتفصيلها، فالقرآن مصاغ ليكون –برغم تطور التشريع وتزايد الأحكام في عصر النبوة- بمنأى عن النسخ بالمعنى الذي سيقول به من بعد بعض المغرضين والمغفلين تحت تأثير إلقاءات الشياطين.
------------
إن الصيام لا يعني فقط الامتناع عن تناول الطعام والشراب وإنما هو الكف الاختياري عن استعمال الحواس والإمكانات الظاهرة لأوقات محددة، وهو بذلك من أفعل وسائل تسهيل القيام بأركان الدين الجوهرية العظمى مثل ذكر الله وإقامة صلة وثيقة به وتزكية النفس، فمن الصيام الامتناع عن اللغو والالتزام بالصمت وألا يعمل ملكاته القلبية في الأمور الدنيوية لفترات محددة.
لقد أباح القرآن للمريض وللمسافر الفطر، وترك تحديد التعريف الدقيق لكل من المرض والسفر لأولي الأمر المختصين المؤهلين أو للإنسان نفسه ليحدده بناءً على درجته من الرقي الجوهري، ذلك لأن المعول هو علي ما أضمره الإنسان في قلبه، والإنسان مبتلى بما صدر إليه من أوامر وما كُلِّف به، واستجابته من حيث المدى والطبيعة هي التي ستحدد مدى انتفاعه بالقيام بما أمر به، ويمكن للإنسان دائما أن يسترشد بأولى الأمر في مصره وعصره، فهم الذين سيبينون له مدى تأثير الصيام على جسده، وكذلك الأمر فيما يتعلق بتعريف الفدية وكمية ونوعية الطعام والمسكين، فأولو الأمر هم الذين جمعوا كل ما يلزم من العلوم اللازمة للبت وإصدار الأحكام المتعلقة بهذا الأمر.
------------
إن قضية التدخين أثناء الصيام ليست مجرد مشكلة تحليل أو تحريم، فكون التدخين مأموراً باجتنابه كسائر الآثام هو أمر مفروغ منه، وإنما هي أيضاً مشكلة صحة أو فساد الصيام، فأمور مثل التدخين وتعاطي المخدرات وكل ما أشبه ذلك وكل ما يمكن أن يستجد من أمور كهذه مفسدة للصيام بلا ريب، ويجب أن يتذكر الإنسان دائماً أن رب العالمين والكرام الكاتبين ليسوا مجموعة من الموظفين البيروقراطيين الذين لا هم لهم إلا سلامة الشكل مهما فسد المضمون، وإذا كان الإنسان مأموراً بترك الحلال أثناء الصيام فكيف بالأمور المحرمات والأمور المتشابهات، إنه لا قيمة لصلاة المرائي مثلاً مهما تفنن في القيام بكل تفاصيلها المذكورة في كتب (الفقه)، ولا قيمة لما قرروه من أنه تسقط المطالبة بها إذا أداها كما ورد في تلك الكتب، ذلك لأنه ليس من سلطتهم تحديد الجهة التي تسقط عندها المطالبة، ولا إلزام الله تعالى بما يرونه هم، وبالمثل لا قيمة لصيام المدخن أو لمن اتخذه وسيلة لإهمال الأركان الأخرى أو لاقتراف المعاصي.
أما عجز المدخن عن إتمام الصيام أو القيام به فلا يعطي لأحد الحق في إباحته له فمثله كمثل مدمن الخمر وغيره؛ وبصفة عامة فإن عجز المرء عن التوقف عن اقتراف إثمٍ ما لا يجعله حلالاً له، وعلى مدمني الخمر والتدخين وأي أمر آخر منهي عنه أن يتحملوا عواقب أمورهم.
------------
يقول بعضهم أن التدخين ليس بحرام وأنه لا يفطر الصائم ولا يفسد صيامه، وهذا القول منهم سببه الإصرار علي اختزال الدين وإكسابه طابعا شكليا جامدا، والحق أن التدخين وكل ما يمكن أن يستجد من الأمور المشابهة هو مخالفة لأوامر دينية صريحة وهو بذلك يؤدي إلي تقويض مقاصد الدين ومنع تحقيقها ويتناقض مع خصائص وسمات الدين، فالذي يعمد إلي إشباع شهوة التدخين في نهار رمضان مع علمه بأن أولي الأمر المختصين –أي الأطباء الشرعيين- قد أكدوا علي أنه ضار بالإنسان وعلي أن تأثيره كتأثير السم البطيء وأنه لا يؤدي أبداً إلي أي نفع للجسم الإنساني وإنما يفسد مقاصد الصيام، فهو بالتأكيد لن يتحقق بالتقوى ولن يزكي نفسه، إن أموراً مثل التدخين أو تعاطي المخدرات ....إلخ تؤدي أيضا إلي القتل البطيء للنفس دون أي نفع يرجى منها كما تؤدي إلي إهدار المال وتبديده فهي أشد إثماً من التبذير، إنه يجب علي كل إنسان أن يعلم أنه يتعامل مع إله حي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولا يمكن خداعه وليس مع منظومة أوامر وقوانين جامدة وعليه أن يعلم أن دينه دين حِكَم ومقاصد وأن كتابه هو الكتاب الحكيم، وبعد كل هذا لا يجوز لأحدهم أن يحرم ما لم يرد فيه نص صريح ولكن عليه بيان الأمر للناس واستنباطه، فالتدخين محرم لما يتضمنه من ظلم وإفساد وتبذير وإلقاء بالنفس في التهلكة... وكلها أمور من كبائر الإثم المحرم وليس لأن إنساناً ما حرمه، فلقد تم استخلاف الإنسان في الأرض وعليه أن يُعمل ما لديه من ملكات ذهنية ومن معارف ليعلم ما يساعده علي تحقيق مقاصد الدين، كما ينبغي أيضاً أن يعلم ما يمنعه من تحقيقها أو يؤدي إلي تقويضها حتى يتجنبه، وعليه أن يعلم أن أولي الأمر المختصين المؤهلين قد أجمعوا علي أن أعمالا مثل التدخين وتعاطي المخدرات تؤدي إلي ضرر محض ولا نفع فيها، بل هي تبديد وإهدار للموارد التي كان ينبغي إنفاقها في سبيل الله، وهي كذلك إخلال بواجبات الاستخلاف في الأرض، وهي من الخضوع لأهواء النفس مما يؤدي إلي تدهور الكيان الباطني، لذلك فعليه أن يمتنع عنها دون حاجة إلي رجل دين يحلل ويحرم، ويجب أن يعلم كل مسلم أنه ملزم بطاعة أولي أمره الشرعيين عملاً بلوازم ركن من أركان الدين، إنه يجب أن يعلم كل مسلم أن الأداء الشكلي النمطي للصلاة والصيام لن يغني عنه من الله شيئاً، وكل إنسان هو أدرى بنفسه، وكل من يغلق علي نفسه الباب في رمضان ثم يمارس التدخين أو يشاهد صوراً عارية أو أفلاماً خليعة يعلم يقيناً أنه بذلك قد أفسد صيامه ولم يحقق مقاصده، وهو بذلك لا يخادع إلا نفسه.

من أركان الإسلام: الصيام (1)


إن الصيام طبقاً لمفهوم دين الحق هو الإمساك أو الامتناع الاختياري عن التلبية الفورية لمطالب الإنسان المترتبة على مقتضياته الجسدية وذلك في سبيل تزكية نفسه والقيام بحقوق كيانه الجوهري وتذكير نفسه بأنه لا يحيا بالجسد وحده، فالصيام هو الذي كُتب، والحد الأدنى اللازم للوفاء به هو صوم رمضان، ويجب أن يوطن الإنسان نفسه علي الصيام بالمعاني الأخرى فيلتزم بالصمت لمدد يعتد بها من حين إلي آخر ويعتزل الناس كذلك من حين إلي آخر وأن ينوي دائماً أن يكف أذاه وشره عنهم.
------------
إن كل مؤمن مكتوب عليه الصيام بمفهومه العام الذي كان دائماً معلوماً لأنه من أركان دين الفطرة، وهو مطالب به بقدر وسعه، فالمسلمون كانوا يمارسون الصيام مثلما تعلموه من ملة إبراهيم الحنيفية كوسيلة لتزكية النفس من قبل أن يكتب عليهم، وعندها فقد تم عن طريق القرآن تنقيحه وتعديل ونسخ بعض أحكامه والإبقاء على البعض الآخر، ومن ذلك مثلا أن أيام الصيام بعد أن كانت اختيارية أصبح المقصود بها شهر رمضان على سبيل الإيجاب والإلزام، كما أصبح لا حرج عليهم في الرفث إلى نسائهم في ليالي الصيام بعد أن كان ذلك محرما عليهم في ملة إبراهيم عليه السلام.
------------
الصيام هو التعبد لله تعالى بترك بعض الرغبات الجسدية التي هي محللة أصلاً مثل المفطرات والجماع من طلوع الفجر إلى الليل، وهذا يتضمن بالأولى والأحرى ترك ما هو محرم أصلا مثل الغيبة والنميمة وقول الزور واللغو والرفث وكذلك ترك كل ما فيه شبهة وكل ما يمكن أن يستجد من وسائل إشباع الرغبات الجسدية، لذلك يجب وجوبا قطعيا الامتناع عن تعاطي المخدرات والدخان أثناء الصيام، إنه يجب دائما أن تؤخذ المقاصد المنصوص عليها في الاعتبار، ومن مقاصد الصيام المعلنة التحقق بتقوى الله وأداء واجب الشكر لله، ولا شك أن تعاطي الدخان أو مشاهدة ما يسمى بالأفلام الجنسية مثلا يتعارض تماما مع ذلك المقصد، فلا يمكن أن يشكر الإنسان ربه باقتراف ما يحرضه على معصيته.
------------
إن الصيام هو امتناع اختياري عن تناول ما هو مباح تحقيقاً لمقاصد سامية مثل تزكية النفس والتحقق بالتقوى وشكر الله تعالى، وهو من أركان دين الفطرة ولابد منه لضمان سلامة البنيان الإنساني والكيان الجوهري، وهو ينبغي أن يكون صياماً حقيقيا وليس مجرد تغيير مواقيت تناول الوجبات أو تركيزها في وجبتين، ويجب أن تقل الكمية الإجمالية لما يتناوله الإنسان من طعام علي مدى اليوم عن الكمية المعتادة.
------------
إن الصيام هو الامتناع الاختياري لفترة محددة عن الاستجابة لمطالب الكيان المادي للإنسان من طعام أو شراب أو جماع، فالامتناع عن تلك الأمور التي اقتضتها الطبيعة البشرية هو أيضاً إشارة إلي ضرورة الإمساك الباطني عن مقتضيات الطبيعة النفسية الإنسانية، وهو من مقتضيات إلزام الكيان الأدنى بمطالب الكيان الجوهري الأعلى، فليس بالوفاء بمطالب الجسد فقط يحيا الإنسان وإنما يحيا كيانه الجوهري بنور ربه وبكلماته وبروح منه، وبذلك أيضاً يتذكر الإنسان أن ربه هو الأحد الصمد المتين المنزه عن كل ما يتصف به مخلوقاته، فهو المنزه عن الحاجة إلى مدد خارجي من الطعام والشراب وهو المنزه عن الاتصاف بما لا يتفق مع حسنه وكماله الذاتي المطلق، وبذلك التذكر يتطهر الإنسان مما يخالف مقتضيات الإيمان فلا يسيء الظن بربه ويعلم أنه إذا كان الإنسان يستطيع أن يتطهر ولو لمدة محدودة من مقتضيات الطبيعتين البشرية والإنسانية والتي هي من لوازم نقص ماهيته الحقيقية فإن ربه الذي له الكمال الذاتي المطلق منزه تنزيهاً ذاتيا عن كل ذلك وأنه لهذا أحق أن يعبد وحده لأن كل من هم دونه مهما بلغت مراتبهم الكمالية دائرون في فلكه ومنجذبون إليه وما لديهم من كمال إنما هو منه وكل من هم من دونه آلات بيده وهو الآخذ بنواصيهم والمستوى على عروشهم.
والصيام هو الامتناع عما يخالف مقتضيات الإيمان والتقوى والشكر لله وما يقتضيه ذلك من الامتناع الاختياري عن مطالب الكيان المادي للإنسان من طعام وشراب وجماع لفترة محدودة، فالامتناع الثاني وسيلة لتحقيق الامتناع الأول وإشارة إلى أنه ليس من طاقة الإنسان في كل الأحوال وإنما هو مقصد يسعى إليه، فالإنسان يوطن نفسه ويعقد العزم على الإمساك عما يخالف مقتضيات الإيمان والتقوى والشكر وهو يعلم أن هذا أمر فوق طاقته ووسعه وفوق طاقة كيانه النفسي ولكنه يتقوى على ذلك بامتناعه عن أمور لا يستطيع الامتناع عنها تماما وبصفة دائمة لتقيده بكيانه المادي، وكل ذلك من سبل تزكية النفس وتحقيق المقصد الأعظم الثاني، فالامتناع عن تلك الأمور التي اقتضتها الطبيعة البشرية هو عنوان على الإمساك الباطني عن مقتضيات الطبيعة الإنسانية.
------------
إن الصيام يشير إلي أنه علي الإنسان الإمساك عما يخالف مقتضيات الإيمان والتقوى والشكر لله، ومحدودية الفترة التي يجب فيها الصوم إشارة إلى أنه ليس من طاقة الإنسان في كل الأحوال الإمساك عما يخالف هذه المقتضيات وإنما هو مقصد يسعى إليه، أما الامتناع عما يخالف مقتضيات التقوى فيعنى ألا يغفل الإنسان عن ذكر ربه وأن يستشعر دائما حضوره الذاتي معه بكافة أسمائه الحسنى.
أما الإمساك عما يخالف مقتضيات الشكر فهو ألا ينسب الإنسان إلي غير ربه ما هو فيه من نعمة وأن يعلم أن كل ما به من نعمة وما هو له من صفات كمال إنما هو من الله سبحانه وتعالى وأنه ليس للإنسان إلا نقصه الذاتي وأنه لا يمتلك شيئاً ما امتلاكا حقيقيا وإنما هو مستخلف فيه لأجل معلوم، ومن أعظم النعم على الإنسان تحقق كيانه وتمتعه بالوجود، فعليه ألا يسيء استعمال ما أنعم الله به عليه واستخلفه فيه وأن يحسن استعمال كل ذلك طلبا لمرضاة الله سبحانه وتعالى  أي لتحقيق مقاصد الدين العظمى.
------------
إن القيام بالصيام يشير بالأولى إلى ضرورة القيام بأركان أخرى مثل تزكية النفس والقيام بحقوق أسماء التنزيه والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، فالامتناع عما هو إثم محرم هو أولى من الامتناع عما هو محلل.
------------
إن المقصد من الصيام هو التحقق بالتقوى وبالشكر لله تعالي، والتقوى هي كل ما يترتب علي الإحساس الصادق بالحضور الإلهي والمعية الإلهية، فالصيام إذاً هو السبيل إلى تنمية الإحساس بالقرب الإلهي والمعية الإلهية، ذلك لأن سبيل التقرب إلي الله سبحانه وتعالي هو الاتصاف بمقتضيات سماته، والصيام هو إعلان من أنية الإنسان وكيانه الجوهري بالاستعلاء علي الجسد ومطالبه ومقتضياته وبأن الإنسان يستطيع أن يحيا دون حاجة إلي مدد خارجي من الأشياء المادية الدنيوية وأن يكتفي بكيانه الأعلى والأبقى، وهو بذلك أيضا يتذكر الإله الأعظم وكيف يحيا غنيا بذاته عن كل ما هو من دونه.
والصيام مرتبط بالزكاة وبإطعام الطعام، وتلك صفات إيجابية مستندة إلي سمات إلهية ومنها الكرم والجود وإرادة الإحياء والإعطاء، وبذلك يجمع الإنسان بين مقتضيات ومظاهر التسبيح وبين مقتضيات ومظاهر التسبيح بالحمد، فكل تلك العبادات تقرب الإنسان من حضرة ربه وتزيد من تحققه بالتقوى وبها يكون في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر في الدنيا قبل الآخرة.
------------
والصيام هو وسيلة الإنسان لقهر الجانب البهيمي من كيانه والذي هو مدخل الشيطان إلي نفسه، وهو أيضا مراد لمقاصده ومنها التحقق بالتقوى والشكر لله تعالى، وصيام رمضان بالمعنى المعلوم هو الحد الأدنى اللازم للوفاء بهذا الركن، وهذا الركن من مقتضيات القيام بحقوق الأسماء الإلهية التنزيهية والتي هي من تجليات ومظاهر الأحدية والصمدية، والصيام هو من أفعل الوسائل اللازمة لتزكية النفس وتذكير الإنسان بطبيعة كيانه الجوهري، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الامتناع عن الصيام أو عن تحقيق مقاصده والافتتان بالجسد وشدة الانشغال بمطالبه، و صوم رمضان من أركان الإسلام الفطري وهو أيضاً من أركان الإسلام الظاهري التي يجب الاحتفاء بها وإعلانها لإظهار الانتماء إلي الأمة.
والصيام واجب علي كل إنسان يجد أنه في طاقته، وهو في ذلك رقيب علي نفسه، أما من يجد أنه في حاجة إلي بذل ما هو فوق طاقته ليتمكن من الصيام وأن حالته هذه لا سبيل إلي تغييرها فعليه أن يطعم مسكيناً عن كل يوم وجب عليه صومه، وممن ينطبق عليهم هذا الأمر الشيخ الكبير أو من يمارس عملاً شاقاً مضنياً في درجات حرارة عالية جداً أو منخفضة جدا…إلخ.
والصيام لا يعني مجرد الامتناع عن الطعام والشراب والجماع في النهار فقط ولكنه يتضمن الامتناع عن تعاطي ما فيه شبهة أو ما هو محرم بالأولى، والإسلام هو دين مقاصد وحكم، فتحريم الجماع أثناء الصيام يتضمن تحريم كافة صور الإشباع الجنسي أخرى، أما التدخين فهو محرم في الصيام وفي غيره، والتدخين محرم لأنه يتضمن التبذير والإسراف وتبديد الموارد وإلقاء النفس في التهلكة والاعتداء على حقوق الآخرين وظلم النفس والغير، ويجب أن يعلم كل إنسان أن الرب سبحانه وملائكته ليسوا بهيئة بيروقراطية لا يهمها إلا السلامة الشكلية للإجراءات، ولكن للأسف كان هذا الاعتقاد هو المهيمن على أئمة ما يسمى بـ(الفقه)، وآية ذلك قولهم دائماً: "يكون قد أداها وتسقط المطالبة بها" دون أن يبينوا للناس من أعطاهم السلطة ليتفوهوا بقول كهذا ولا أن يبينوا لهم عند من ستسقط المطالبة.
وتعاطي المخدرات بأية صورة من الصور هو محرم أيضاً في الصيام وفي غيره للأسباب السابق ذكرها فيما يتعلق بالتدخين، وآثاره كما هو معلوم أشد وأخطر من التدخين أو تعاطي الخمور، وإذا كان الإسراف والتبذير في تعاطي الطعام من الأمور المنهي عنها نهياً صريحا مع أن تعاطي الطعام ليس محرما فكيف بتعاطي ما يتضمن التبذير والتبديد وإهلاك الموارد والإمكانات.
إن التدخين وتعاطي المخدرات هو من تبديد الموارد وإهدار الطاقات؛ فهما من صور الفساد، ومن يروجون لذلك هم من المفسدين في الأرض، والإفساد في الأرض هو من كبائر الإثم التي ستتسع على مدى العصور، فكل الصور المستجدة للفساد والإفساد في الأرض هي من كبائر الإثم التي يجب اجتنابها.

الأحد، 15 يوليو 2012

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ{1}


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تبدأ هذه الرسالة التامة إلى الناس كافة من رب العالمين، وبها يبدأ هذا الكتاب الملزم للناس أجمعين، وهذه الآية الجليلة هي بمثابة التوقيع الإلهي الذي يؤكد أن هذا الكتاب منزل من عند رب العالمين، وهذه الآية هي أيضا بمثابة السياج أو السور الذي يحفظ النص المقدس من التبديل أو التغيير أو التحريف أو التزوير أو الإضافة أو الحذف.
وبِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قد بدأ هذا الكتاب وبدأ أيضا هذا العالم الذي يحيا فيه الإنسان، وكون هذا العالم هو مجال فعل الاسم الإلهي العظيم "الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ" يتضمن بشرى مؤكدة، فالاسم الرحمن له أصلاً كل الأسماء الحسنى بما فيها الاسم الرحيم الذي يتضمن سمة الرحمة الخالصة، لذلك فالسمة العظمى التي يشير إليها الاسم الرَّحْمـن الرَّحِيم تُفصَّل إلى سمات يغلب عليها جانب الرحمة، ولذلك تم التأكيد مراراً وتكراراً في القرآن على أن سمة الرسالة العظمى هي الرحمة، قال تعالى: {أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ}الأنعام157، {وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}الأعراف52، {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }الأعراف203، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}يونس57، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}يوسف111، {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}النحل64، {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً }الإسراء82، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{76} وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ{77} النمل، {وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِّلْكَافِرِينَ }القصص86، {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }العنكبوت51، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ{2} هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ{3} لقمان، {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ{2} إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ{3} فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ{4} أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ{5} رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{6} الدخان، {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ{18} إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ{19} هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ{20} الجاثية.
لكل ذلك كان من سمات دين الحق الماثل في القرآن الكريم أنه لا حرج فيه وأنه لا إصر ولا أغلال فيه وأنه لا يسمح لأحد بالاتجار به ولا بالتكسب به ولا بالعلوِّ على الناس باسمه ولا يسمح لأحد باستعباد الناس ولا باستغلالهم لتحقيق مآربه الخاصة.
كما أنه الدين الذي يتسم معتنقوه بالرحمة تجاه كل البشر وتجاه كل الكائنات الأخرى، فهو الدين الذي يأبى القسوة والغلظة والفظاظة وسوء الخلق والوحشية.
والمطلوب من المسلم أن يجاهد نفسه وأن يتغلب على كل نوازع الشر والبغضاء والكراهية والشنآن الكامنة في نفسه، وأن يعمل على تطهير قلبه وعلى أن يتحلى بصفة الرحمة تجاه كل الكائنات، ولكي يتحقق له ذلك ينبغي أن يذكر وأن يتذكَّر وأن يستحضر أسماء منظومة الرحمة الإلهية، وهي كل الأسماء الحسنى المذكورة في القرآن والتي تشير إلى سمة الرحمة وهي: الرَّحِيمِ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، الرَؤُوف الرَّحِيم، الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، الرَحِيمٌ الوَدُود، الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، الرَّحِيمُ الْغَفُورُ، الْبَرُّ الرَّحِيمُ.
كما أن عليه أن يردد سراً وجهراً الآيات القرآنية التي وردت فيها هذه الأسماء.       

الجمعة، 13 يوليو 2012

Refutation of the Blasphemy of Abrogation (I)


There is no abrogation in the Glorious Qur'ân. Actually the Qur'ân abrogated some of the previous verses (of what is with the Jews or the remnants of the religion of Ibrahîm) and kept on some others. There are no differences or contradictions or discrepancies in the Qur'ân calling to say that there is abrogation therein. The legend of abrogation is invented by some criminals & adopted by some foolish scholars. I debated with many slaves of abrogation & refuted all their arguments.
=======
One of the verses proving evolution will be a surprise for you. It is the verse which most of the so-called Muslims use to prove the false doctrine of abrogation of the Qur'anic verses: "Whatever an Ayat do We abrogate or cause to be forgotten, We bring a better one or similar to it. Know you not that Allâh is able to do all things?" The term "Ayat" in the Qur'ân does not necessarily mean a Qur'anic sentence or phrase. It can mean miracle, sign, evidence, any creature, any physical phenomenon, moral, tremendous achievement, wonderful lesson, etc.
=======
Stoning the person who committed adultery is a biblical sentence. Jesus didn't abrogate it explicitly. He was only condemning the attitude of hypocrite priests who wanted to put him in a bind. It is abrogated only in Islâm. Before its abrogation the Messenger applied the biblical sentence to show his respect toward the other prophets and religions. He said that all the prophets are brothers.
=======
The abrogation means that some of the instructions of the old religions are replaced by Qur'ânic instructions. The Qur'ân is superseding and overruling all the other religious sources including the previous Scriptures. No Qur'ânic verse was abrogated. The abrogation doctrine is invented by some devils & clergy to justify the rulers' tyranny & oppression and also to justify the aggression & the conquest of the other peoples and to re-formulate the religion as they wish.
=======
I told you that no verse of the Qur'ân is abrogated. The abrogation is a doctrine invented by some devils & clergy to justify desertion of the Qur'ân & to deny some of its verses & to legitimate the existence of priesthood in Islâm & to undermine the Qur'ânic method & the Qur'ânic logic. To consider any religious issue we must collect all the Qur'anic verses related to it. All the verses must be fully taken into account to know the Qur'ânic view or decision.
=======

The blasphemy of abrogation is based on assumed discrepancies between the Qur'ânic verses. However, Allâh declared that these verses are consistent, compatible and in complete harmony; there isn't any discrepancy in the Qur'ân.   The reported sayings or reports of the practices of the Prophet cannot contradict the message revealed to him. The Qur'ân has the highest degree of authenticity, reliability and credibility. 
=======
The Qur'ân has the absolute primacy over all the other religious sources. The religion of truth must be extracted from the Qur'ân. The foreign and regional influences must be excluded. The religion of truth has the attribute of an absolute universality.
=======

Different people have campaigned tirelessly to justify use of the so-called Sunnat (in fact the narrations) as the second primary source alongside the Qur'ân against those who would accord this Sunnat no role in the formulation on the argument that the degree of conflict in the narrations, the inadequacies of the guarantee against corruption, fraud or error afforded by the chains of narrators rendered the so-called Sunnat unfit for the sacred role of declaring the divine intent underlying the Qur'ânic declarations. The narrations cannot be considered as an independent source of religious instructions and elements. In order to accept any narration it must have a chain of narrators, must have some origin in the Qur'ân and must be completely consistent, compatible and in complete harmony with the religion of truth articulated in the Qur'ân.
=======
The Qur'ânic verses may abrogate certain ritual and social laws handed down by the earlier divine books in order to lighten Man's burden, make lawful what had previously been unlawful, and therefore demonstrate God's mercy for His creation. This is the real significance of the abrogation Qur'ânic "proof text", Q.2:106. This verse comes as it does right after a series of verses abrogating many aspects of the Jewish instructions.
=======
There is no abrogation in the Glorious Qur'ân. Actually the Qur'ân abrogated some of the previous verses (of what is with the People of the Book) and kept on some others. The calumny of abrogation was invented by some criminals & adopted by some foolish. I debated with many slaves of abrogation & refuted all their arguments. Now, the devils are using this myth against Qur'ân.
=======
Thanks to God, I have reached this conclusion (that no Qur'ânic verse is abrogated) without any need to something else. This was just when I was urged to reconsider all the religious knowledge. Then I knew that some others got the same result using different approaches & as a result of different motives. I have found, by the grace of Allâh that the direction I took is based on full comprehensive solid foundations whereas their directions were fragmental.   It is to be noted that the myth of abrogation is invented to make the Muslims desert the Qur'ân which cannot be distorted or altered for the benefit of the oral traditions & narrations whose percentage of fraud & forgery & distortion & alteration attains about 99%. This was for the benefit of all the enemies of Islâm who wanted to distort it, as it happened with the message of the Christ, or they wanted to revenge from it or wanted to aggress & enslave people. Now more than 80% of the religious materials with all the Islamic factions were derived from sources other than the Qur'ân.
=======

الأربعاء، 11 يوليو 2012

من سمات الإسلام: العالمية


إن من سمات الإسلام العالمية، وهذه السمة ثابتة بآيات كلها مكية حتى لا يظن أحد أنها نزلت بعد أن انتصر المسلمون وبدءوا حركة التوسع، ولهذه السمة التقدم والأولوية على كافة مصادر المعرفة الدينية الأخرى، فإليها يجب محاكمة كل نص غير قرآني زعموا أنه نص ديني، فما تعارض معها ليس من الدين في شيء، وتلك السمة تقوِّض كل المذاهب الضالة التي حلت محل الإسلام وأرادت إلزام كل المسلمين بعادات وتقاليد قريش وعبس وذبيان، وها هي بعض الآيات التي تثبت عالمية الدين: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{158} الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الأعراف، {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }الأنعام90، {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ}يوسف104، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً }الفرقان1، {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }ص87، {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }القلم52،  {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }التكوير27، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}سبأ28.