هذا
الركن يقتضي القيام بحقوق الكتاب العزيز بالإيمان به وتلاوة آياته وتعلمه وتعلم ما
يتضمنه من الحكمة وقراءته وتذكره وتدبر آياته وتزكية النفس به والعمل بمقتضى ما
يتضمنه.
وهذا
الركن هو ركن ركين من أركان الدين، ولقد قدم الله تعالي مقتضياته وتفاصيله علي ما
تواتر أنه من الأركان (مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة) كلما ذكر معها.
إن
القيام بحقوق القرآن يقتضي الإيمان به وتلاوة آياته وترتيله وتعلمه وتعلم ما
يتضمنه من الحكمة وقراءته وتذكره وتدبر آياته وتزكية النفس به وتعظيم قدره واتخاذه إماما والعمل بمقتضى ما يتضمنه، كما يقتضي اتخاذه المرجع الأوحد في كل أمور الدين الكبرى والمرجع الرئيس
في الأمور الثانوية، وهذا بدوره يقتضي أن يستمد كل مرجع شرعيته ومصداقيته من
القرآن وحده.
------------
إن
المسلم ملزم بالإيمان بالقرآن العظيم وبأنه كلام الله وهديه الذي أنزله وفصَّله
وبينه للعالمين، وهو ملزم بالإيمان بأن الله قد حفظ كتابه من التحريف والتبديل
والزيادة والنقصان وبالإيمان بأن القرآن هو َكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ
الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ
حَمِيدٍ، فالقرآن هو الكتاب الوحيد الذي يستمد براهينه من ذاته ويبين نفسه بنفسه
ويقيم الحجج على صحة ما فيه بآياته، أما الكتب السابقة فقد كانت تستمد مصداقيتها
وحجيتها مما يقدمه النبي من آيات مادية خارجية أي من أمور خارقة، أما سائر المصادر
أو الأصول الأخرى كما يسمونها فإنها لا تستمد مصداقيتها فيما يتعلق بالأمور
الدينية إلا منه وهو الحاكم والمهيمن عليها. إن التفقه في القرآن وتدبره ليس مقصوراً على
المتكسبين بالدين ولكنه ركن ديني ملزم لكل مسلم، ولو عمل المسلمون على القيام به
حق القيام لما انهاروا ولما تفرقوا شيعا ولاختفى الجهل.
------------
من
لوازم وتفاصيل ركن الإيمان بالقرآن والقيام بحقوقه: تلاوته-قراءته-الإنصات
لقراءته-إعمال كافة الملكات القلبية فيه ومن ذلك تدبره والتفكر فيه-اتخاذه المرجع
الأوحد في كافة الأمور الدينية الكبرى والمرجع الرئيس في الأمور الثانوية-اتباعه
وحده وعدم اتباع أولياء من دونه-عدم جعله عضين بل الأخذ به كله-اختيار ما اختار
الله فيه-عدم اتباع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة-ألا يجد الإنسان في صدره حرج
منه...، قال تعالى:
{وَاتْلُ
مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن
تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً}الكهف27، {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ
الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء
وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}العنكبوت45،
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ
يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
}البقرة121، {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ
وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن
تَبُورَ }فاطر29، {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}، {فَاقْرَؤُوا مَا
تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ
قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ
اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ} المزمل 20، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ
لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}ص29، {أَفَلَمْ
يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ
الْأَوَّلِينَ}المؤمنون68، {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ
عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}النساء82، {أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}محمد24، {وَمِنْهُم
مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن
يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ
يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ
كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }الأنعام25، {وَإِذَا مَا
أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ
ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون
}التوبة127، {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي
آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ
عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً }الإسراء46، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ
بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا
جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً
وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً }الكهف57،
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }الأنعام97،
{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ }الأنعام105، {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ
الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ }التوبة11، {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً
لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }فصلت3، {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي
صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِين} (الأعراف: 2)، {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي
اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (الفرقان: 30)، {وَالَّذِينَ
يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ
الْمُصْلِحِينَ{170}} (الأعراف)، إن الآيات تبين كيف أن تفاصيل هذا الركن مقدمة
على إقامة الصلاة.
------------
قال
الله سبحانه وتعالى: {الَر كِتَابٌ
أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }هود1، فكل آية
من آيات الكتاب كانت أصلا كياناً أمرياً محكما وكانت بذلك أيضاً في غاية الإتقان،
ثم فصِّلت بحيث يمكن أن يدركها الإنسان، وهذا التفصيل يأخذ زمنه المعلوم، فهو يتم
شيئاً فشيئا بعد التفصيل الأول الذي ترتب عليه أو الذي كان من لوازم الإنزال،
والإحكام والتفصيل يتم بفعل الاسم الإلهي الحكيم الخبير، ولقد كان الكتاب محكما،
وكذلك كان إنزاله الأول، ثم توالى تفصيله.
------------
إنه
إذا كانت المشنا أو المثنا تثني التوراة فإن الكتاب العزيز يثني نفسه بنفسه وبيانه
يكون منه وبه، قال سبحانه وتعالى:
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ
جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي
بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}الزمر23، فالكتاب
متشابه وهو مثاني، فطبيعته تلك هي من سماته الذاتية؛ فلا يثنِّـيه غيره، وهو
متشابه لكونه صالحاً لكل زمان ومكان؛ أي لطبيعته العالمية؛ أي لكونه للناس كافة.
------------
إن
هذا القرآن قد أنزل بعلم الله، فهو بذلك من مقتضيات سمة العلم الإلهية، وما يتضمنه
هو أيضاً من العلم الإلهي، فمصطلح العلم يطلق على السمة كما يطلق على مجالها؛ فهو
بذلك يتضمن المعلومات اللازمة لكي تتحقق لكل كيان إنساني مقاصد الدين العظمى
الخاصة به.
------------
إنه
بإدمان قراءة وتدبر القرآن وإعمال ملكات القلب فيه يترقى كيان الإنسان الجوهري
ويبرمج للعمل وفق المنهج والمنطق القرآني ويجد في القرآن البينات التي يمكن
الاستناد إليها والانطلاق على هديها.
------------
إن
على من يريد التعامل مع القرآن أن يدرك أنه كتاب متشابه وأنه يتضمن آيات متشابهات،
وهذا يتضمن أن هذه الآيات تتحدث عن أمور غيبية؛ أي خارج نطاق الخبرة البشرية وفوق
كل المدارك والتصورات البشرية، كما يتضمن أنه متسق اتساقاً ذاتياً مطلقاً؛ فآياته
تتعاضد وتتكامل وتتآزر ويبيِّن بعضها بعضا، فالقرآن مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء، فيجب
أن يبحث الإنسان عن تأويل ما غمض عليه فيه نفسه، فمن آمن بذلك وعمل بمقتضاه
سيهتدي، أما من سلك سبيل التربص بالقرآن ومحاولة تلمس أي اختلافات فيه فسيكون عليه
عمى وسيضل، قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا
لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ
آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ
عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }فصلت44.
------------
إنه من
لوازم تحقيق مقاصد الدين أن يقرأ الإنسان آيات القرآن بحيث يستخرج منها ما يجب أن
يتحلى به أو يتطهر منه من الصفات وما يجب عليه الالتزام به أو اجتنابه من الأفعال،
وعليه في سبيل ذلك أن يعلم أن القول بالنسخ بالمعني الذي اصطلحوا عليه -والذي
يتضمن أن ثمة آيات قد انتهي حكمها أو بطل العمل بها- هو من الكفر البواح ومن الظن
السيئ برب العالمين ومن الجهل بقدره العظيم؛ فالقول بالنسخ هو من كبائر الإثم
المضادة لهذا الركن، وإني أتحدى أعداء القرآن وعبيد المذاهب وشياطين الإنس والجن
أن يأتوا بآية قرآنية تكون موجودة في المصحف ومنسوخة في الوقت ذاته!!!
------------
إن
تشابه آيات الكتاب قد ترتب عليه أن كثيرا من الأحكام ورد فيها عدة آيات، ولكل آية
دلالة للحكم لم ترد في الآيات الأخرى، فالجمع بين الآيات يؤدي إلي استخراج مفهوم
عام وتصور شامل لتفاصيل المسألة المراد فقهها، ولقد اقتضى التشابه أن الآية
الواحدة قد تتضمن أحكاماً عديدة وأوامر متنوعة وكلمات (معلومات) متعددة، وكان ذلك
مثلاً لبيان أن حكماً معيناً يستند إلى اسم معين وغير ذلك من أسرار القرآن،
فالقرآن كتاب متعبد بتلاوته، وهو كتاب يؤدي إعمال الملكات فيه وقراءته وتدبره إلي
رقي الكيان الجوهري الإنساني.
إنه
لمعرفة حكم القرآن في أمر ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار كل الآيات التي تذكر شيئاً
عن هذا الأمر مع العلم بأنه ليس في القرآن آيات منسوخة، فلكل آية قرآنية حجيتها ومصاقيتها،
كما يجب دائما النظر في السياق الذي وردت فيه الآية وأن يؤخذ في الاعتبار معاني
المصطلحات القرآنية التي سبق معرفتها.
------------
يتضمن
هذا الركن الإيمان بالقرآن وتلاوة آياته وتعلمه وتعلم ما يتضمنه من الحكمة وقراءته
وتذكره وتدبر آياته، والإيمان هو التصديق الإيجابي بكل ما أورده الكتاب من
معلومات؛ فهو الذي يدفع الإنسان إلي العمل وفق مقتضيات ما آمن به، والعلوم
الطبيعية من وسائل زيادة ثـقة الإنسان وإيمانه بما أورده الكتاب العزيز من
المعلومات لأنه لا يمكن أن يكون ثمة تناقض أو اختلاف بين آيات الكتاب المقروء وبين
آيات الكتاب المشهود، والعلوم الطبيعية تساعد الإنسان علي فقه أفضل لآيات الكتاب
وتساعد علي تطهير تفسيره مما دسه وأورده الأسلاف من آراء وخرافات.
------------
إن
معظم الناس لم يعرفوا قدر ربهم بما يكفي لسعادتهم ونجاتهم وما قدروا خطورة أن
يكلمهم عن طريق الرسالة ولا أن ينزل عليهم كتاباً يتضمن ما يريد منهم أن يعرفوه
وأن يلتزموا به وأن يعملوا بمقتضاه، لقد تحالفت قوى لا حصر لها لدفع الناس إلى
اتخاذ كتاب ربهم مهجورا وذلك بتضخيم شأن كل ما هو من دونه وبتحريف معاني ودلالات
المصطلحات وباستحداث وافتعال مصطلحات وبتقديم الأمور الذاتية
والشخصية علي الأمور الموضوعية والحقانية.
------------
إن
البيان هو عكس الكتمان، فتبيين القرآن يكون بإظهاره كله وتلاوته وقراءته عليهم أما
التفسير أو التأويل فهي أمور أخرى، ويجب العلم بأن القرآن ككل هو كتاب متشابه وهو
يتضمن إلي جانب آياته المحكمات آيات متشابهات، وهو مع ذلك ليس بكتاب أحاجي وألغاز
وليس بكتاب مشفر، ولكنه كتاب عربي مبين أنزل على أمة أمية لا عهد لها بفلسفات ولا
بتقاليد كهنوتية عريقة؛ ولقد نزل بلسانهم آخذاً في الاعتبار أحوالهم، ولقد يسره
الله للذكر ولكي يفقه الناس ما فيه ويعملوا بمقتضاه.
------------
إنه
ليس لدى البشر من الألفاظ ما يصلح لأن يعبر عما ليس لديهم خبرة به فضلاً عن كل
الأذواق والخبرات والأحاسيس والمعاني التي تتوارد عليهم في حياتهم، لذلك كان لابد
من استخدام الأساليب اللغوية والبلاغية المتنوعة ولابد من استخدام اللفظ الواحد
للتعبير عن أكثر من معني يتبين من السياق اللغوي، وذلك مما يؤدي إلي ما يعرف
بالتشابه، ولذلك يكون أول ما يبادر إليه ذهن الإنسان إذا سمع عبارة متشابهة أن
يبحث عن تأويلها؛ أي عن المدلول الحقيقي لها، والذي هو أصلها ومآلها.
------------
إن
مصطلح التأويل في القرآن إرجاع الأمر إلي أصله الذي ينطبق في كثير من الأحيان مع
مآله (إذا كان الأمر ذا طبيعة حلقية) ويعني إدراك المعني الخفي أو إدراك الكيان
الأمري الغيبي المصاحب لكيان خلقي ويعنى تحقق أمر لما يتحقق وتعينه، وليست الرؤى
المنامية فقط هي التي بحاجة إلى تأويل ولكن الوقائع الخارجية أيضا.
أما
التأويل في اصطلاح الناس فيعني تحريف معاني النصوص القرآنية أو صرف الآيات عن
معانيها الحقيقية الجادة في سبيل إلزام الناس بالظنون والأهواء أو ما ينتج عن
محاولة لي عنق الآيات لتدعيم الآراء المذهبية، وأشد المذاهب إمعاناً في التأويل
الضال هم الشيعة ومن تأثر بهم من أصحاب المذاهب الباطنية وأشدها عزوفاً عنه هم
السلفية.
------------
إن
معظم نصوص القرآن بينة بذاتها لكل من يجيد اللسان العربي إجادة معقولة، ومعظمها لم
يرد بشأنها مرويات من التي أقحموها على الدين بحجة تبيين القرآن ثم استخدموها للقضاء
عليه، ورغم إجماع جمهورهم علي ظنية ثبوت معظم المرويات فإنهم جعلوا لها الحكم على
نصوص القرآن التي هي قطعية الثبوت، وكل هذا من تلاعب الشيطان بهم.
إن
النص القرآني يختلف كليا عن النصوص الأدبية البشرية في كونه يحمل تشريعات وأحكاما
وأوامر ونواهي ومعلومات عن عالم الغيب بمختلف طبقاته ودرجاته، وهو مصاغ ليؤدي مهام
محددة منها أن يخرج الناس من الظلمات إلي النور وأن يزكي نفوس من آمن به وأعمل
ملكاته القلبية فيه.