إن
الحواس هي وسائل تلقي التأثيرات من الكائنات، وكل حاسة تتلقى من التأثيرات ما يقع
في مجالها، وتلك التأثيرات تنتقل إلى الدماغ الذي هو الآلة المادية للقلب الإنساني
حيث تتم معالجتها، ويقوم القلب باستيعابها وتفسيرها وفقاً لما هو مبرمج عليه ووفقا
لما لديه من معلومات مسبقة، وهذا القلب قابل ايضاً لأن يحمل ببرامج إضافية ولأن
يكتسب باستمرار معلومات إضافية وذلك بتأثير البيئة الثقافية وما تم اكتسابه من معارف
وخبرات جديدة.
أما
الكتب وحاويات البيانات والنصوص الأخرى فهي لا تتحول بالنسبة لإنسان ما إلى مصدر
حقيقي للمعلومات إلا بناءً على موقفه هو منها، ولملكات الإنسان دخل كبير في تحديد
هذا الموقف، وهذا الموقف هو من مجالات الإرادة الإنسانية الحرة، ولا يمكن لذلك تغيير
طبيعة الأمور، فالدنيا دار ابتلاء، ومصير كل إنسان بمقتضي الحقيقة الإنسانية معلق
باختياراته.
وللكيان
الإنساني الجوهري حواسه الخاصة التي تشير كل حاسة ظاهرة إلى حاسة منها، والإنسان
عادة ما يهمل أمر مثل هذه الحواس، وممارسة أركان الدين الحقيقية هي الوسيلة للتنمية
الآمنة أو لتزكية مثل هذه الحواس حتى يتمكن الإنسان من الانتفاع بها في الدار
الآخرة، أما الانتفاع بتنميتها في الدنيا فليس مطلوباً بذاته،
ومن جعل تنمية مثل هذه الحواس أكبر همه ومبلغ علمه قد يستدرج به ويَضل ويُضل غيره،
ذلك لأنه لن يتلقى من عالم الخيال إلا ما هو متوافق معه وما هو على استعداد له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق