هذا الركن يقتضي تزكية الكيان الإنساني بكل ما يتضمنه من قلب ولطائف ونفس وجسد وذلك بالعمل علي التطهر من كل عناصر وآثار منظومة الأخلاق والصفات الشيطانية وعلى تنمية واكتساب كل ما تتضمنه المنظومة المعنوية الإسلامية من القيم والمبادئ والمثل والسمات الحسنى ومكارم الأخلاق، ومن الأركان الفرعية التحقق بالتقوى والصبر والحكمة والإحسان والشكر والذكر والصلاح والطلب المستمر للعلم.
لذلك فللقيام بهذا الركن يجب معرفة المنظومة المعنوية أو المنظومة الأمرية الرحمانية أو منظومة الصفات الإسلامية والعمل علي اكتساب عناصرها وترسيخها في الكيان الإنساني، كذلك يجب معرفة منظومة الصفات الشيطانية والعمل على التطهر من عناصرها وآثارها ومقتضياتها، وهذا الركن هو من الأركان العظمى ذات الأثر الأبقى، وهو بمثابة المقصد من جل الأركان الأخرى.
إن الإنسان مأمور بالعمل على تزكية كل كيانه الإنساني، فالتزكية هي كل عمل يؤدي إلى رقي وتطهير وتنمية هذا الكيان بسائر مكوناته ولطائفه، لذلك فهي تتضمن كل عمل يؤدي إلي: اكتساب الأخلاق والسمات الرفيعة السامية-التطهر من الأخلاق والسمات الذميمة-اكتساب وتنمية القدرات والسمات القلبية بشعبتيها الوجدانية والذهنية.
------------
يتضمن هذا الركن تزكية كل مكونات هذا الكيان من قلب ولطائف ونفس وجسد، والتزكية تتضمن التطهر من الصفات الذميمة واكتساب وتنمية الصفات الحميدة، ومن الصفات الذميمة السلفية والماضوية والقردية واتباع الظنون والأوهام والأهواء وغيرها من الأمور غير الموضوعية وغير الحقانية وكذلك ازدراء الملكات الإنسانية، والمراد بالقردية الحرص علي المحاكاة والتقليد الأعمي دون إعمال الملكات؛ ذلك لأن الحريص علي ذلك يتحول إلي قرد علي المستوي الجوهري، ومن الصفات الحميدة التقوي وحب الله والولاء لله والصدق والعدل والإقساط والعلم والفقه والفكر والعقل واستعمال الملكات الذهنية، والحرص علي استعمالها من لوازم تزكيتها أي تنميتها والرقي بها، ومن مجالات إعمالها الظواهر الطبيعية والقوانين والسنن الكونية، والصبر هو ركن فرعي هام وهو من أوجب الصفات وهو أيضاً من لوازم ومقاصد أركان أخري، ولقد شدد الكتاب علي أهميته الفائقة، وهو الصفة المعبرة عن متانة البنيان النفسي، وهو يعني الجلد والتماسك والقدرة علي متابعة العمل والتحمل علي كافة المستويات ويعني أيضاً القدرة علي مواجهة المشاعر النفسية المخربة مثل الغضب والحقد والرغبة في الانتقام، أما تزكية الجسد فمن لوازمها التطهر ووقاية الجسد من كل ما يمكن أن يؤدي إلي تدهور أحواله مما هو معلوم ومما يمكن أن تستجد معرفته، ولقد عرف الإنسان في العصر الحديث مخاطر الميكروبات والفيروسات مثلاً، لذلك فهو ملزم بوقاية جسده منها، ومن لوازم تقوية الجسد الحرص علي سلامته وعلي زيادة كفاءته.
------------
إن التزكية في الكتاب مقولة على معنيين : أحدها ورد في قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا(49)} ( النساء) فتلك التزكية تعنى المدح والثناء والحكم لإنسانٍ ما بمرتبة أو مكانة أو درجة صلاح، وذلك أمر ليس للإنسان الذي يجهل عادة مرتبة نفسه وحقيقة دوافعه فكيف يمكن له أن يعرف مرتبة غيره أو مكانته، فمن زعم لإنسانٍ ما مرتبة صلاح أو أفضلية فقد يوقع نفسه تحت طائلة الافتراء على الله I والتقول عليه بالباطل، لذلك على الإنسان ألا يزكى أحدا من الناحية الدينية إلا قياما بأداء حق شرعي، أما المعنى الثاني فهو الوارد في مثل قوله I: {ومَنْ تَـزَكَّى فإنَّمَا يتَـزكَّى لِنفْسِه وإلَي اللهِ المَصِير} (فاطر: 18) ، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9) (الشمس)، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى(14)} (الأعلى)، فهي تعنى العمل على تطهير النفس من الأخلاق الذميمة ومما يعوق انطلاقها نحو الأعالي والعمل على اكتساب الكمالات والأخلاق الحسنة، والتزكية بهذا المعنى هي ركن ركين من أركان الدين بل هي من مقاصد العديد من الأركان ومنها الأركان المشهورة مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وعلى الإنسان ألا يمتدح نفسه بما منّ الله عليه به من المراتب ولكن عليه ألا يأمن مكر الله وأن يكون من الشاكرين، ويجب أن يتجنب الإنسان أن يتكلم عن أمر ما بحيث يتضمن ذلك مدحا ظاهراً أو مبطنا لنفسه أو إعلاءً لشأنها علي الآخرين، وبالأحرى فإنه يجب ألا يشيد صراحة بنفسه وألا يتباهى بها، وعليه أيضاً ألا يتبرع بالإشادة بأحدهم أو بنسبة درجات على أو صفات حسنة إليه أو قدرات وإمكانات خارقة بدون علم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق