الجمعة، 20 مايو 2011

من أركان الإسلام: تزكية النفس

هذا الركن يقتضي تزكية الكيان الإنساني بكل ما يتضمنه من قلب ولطائف ونفس وجسد وذلك بالعمل علي التطهر من كل عناصر وآثار منظومة الأخلاق والصفات الشيطانية وعلى تنمية واكتساب كل ما تتضمنه المنظومة المعنوية الإسلامية من القيم والمبادئ والمثل والسمات الحسنى ومكارم الأخلاق، ومن الأركان الفرعية التحقق بالتقوى والصبر والحكمة والإحسان والشكر والذكر والصلاح والطلب المستمر للعلم.
لذلك فللقيام بهذا الركن يجب معرفة المنظومة المعنوية أو المنظومة الأمرية الرحمانية أو منظومة الصفات الإسلامية والعمل علي اكتساب عناصرها وترسيخها في الكيان الإنساني، كذلك يجب معرفة منظومة الصفات الشيطانية والعمل على التطهر من عناصرها وآثارها ومقتضياتها، وهذا الركن هو من الأركان العظمى ذات الأثر الأبقى، وهو بمثابة المقصد من جل الأركان الأخرى.
إن الإنسان مأمور بالعمل على تزكية كل كيانه الإنساني، فالتزكية هي كل عمل يؤدي إلى رقي وتطهير وتنمية هذا الكيان بسائر مكوناته ولطائفه، لذلك فهي تتضمن كل عمل يؤدي إلي: اكتساب الأخلاق والسمات الرفيعة السامية-التطهر من الأخلاق والسمات الذميمة-اكتساب وتنمية القدرات والسمات القلبية بشعبتيها الوجدانية والذهنية.
------------
يتضمن هذا الركن تزكية كل مكونات هذا الكيان من قلب ولطائف ونفس وجسد، والتزكية تتضمن التطهر من الصفات الذميمة واكتساب وتنمية الصفات الحميدة، ومن الصفات الذميمة السلفية والماضوية والقردية واتباع الظنون والأوهام والأهواء وغيرها من الأمور غير الموضوعية وغير الحقانية وكذلك ازدراء الملكات الإنسانية، والمراد بالقردية الحرص علي المحاكاة والتقليد الأعمي دون إعمال الملكات؛ ذلك لأن الحريص علي ذلك يتحول إلي قرد علي المستوي الجوهري، ومن الصفات الحميدة التقوي وحب الله والولاء لله والصدق والعدل والإقساط والعلم والفقه والفكر والعقل واستعمال الملكات الذهنية، والحرص علي استعمالها من لوازم تزكيتها أي تنميتها والرقي بها، ومن مجالات إعمالها الظواهر الطبيعية والقوانين والسنن الكونية، والصبر هو ركن فرعي هام وهو من أوجب الصفات وهو أيضاً من لوازم ومقاصد أركان أخري، ولقد شدد الكتاب علي أهميته الفائقة، وهو الصفة المعبرة عن متانة البنيان النفسي، وهو يعني الجلد والتماسك والقدرة علي متابعة العمل والتحمل علي كافة المستويات ويعني أيضاً القدرة علي مواجهة المشاعر النفسية المخربة مثل الغضب والحقد والرغبة في الانتقام، أما تزكية الجسد فمن لوازمها التطهر ووقاية الجسد من كل ما يمكن أن يؤدي إلي تدهور أحواله مما هو معلوم ومما يمكن أن تستجد معرفته، ولقد عرف الإنسان في العصر الحديث مخاطر الميكروبات والفيروسات مثلاً، لذلك فهو ملزم بوقاية جسده منها، ومن لوازم تقوية الجسد الحرص علي سلامته وعلي زيادة كفاءته.
------------
إن التزكية في الكتاب مقولة على معنيين : أحدها ورد في قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا(49)} ( النساء) فتلك التزكية تعنى المدح والثناء والحكم لإنسانٍ ما بمرتبة أو مكانة أو درجة صلاح، وذلك أمر ليس للإنسان الذي يجهل عادة مرتبة نفسه وحقيقة دوافعه فكيف يمكن له أن يعرف مرتبة غيره أو مكانته، فمن زعم لإنسانٍ ما مرتبة صلاح أو أفضلية فقد يوقع نفسه تحت طائلة الافتراء على الله I والتقول عليه بالباطل، لذلك على الإنسان ألا يزكى أحدا من الناحية الدينية إلا قياما بأداء حق شرعي، أما المعنى الثاني فهو الوارد في مثل قوله I: {ومَنْ تَـزَكَّى فإنَّمَا يتَـزكَّى لِنفْسِه وإلَي اللهِ المَصِير} (فاطر: 18) ، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9) (الشمس)، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى(14)} (الأعلى)، فهي تعنى العمل على تطهير النفس من الأخلاق الذميمة ومما يعوق انطلاقها نحو الأعالي والعمل على اكتساب الكمالات والأخلاق الحسنة، والتزكية بهذا المعنى هي ركن ركين من أركان الدين بل هي من مقاصد العديد من الأركان ومنها الأركان المشهورة مثل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وعلى الإنسان ألا يمتدح نفسه بما منّ الله عليه به من المراتب ولكن عليه ألا يأمن مكر الله وأن يكون من الشاكرين، ويجب أن يتجنب الإنسان أن يتكلم عن أمر ما بحيث يتضمن ذلك مدحا ظاهراً أو مبطنا لنفسه أو إعلاءً لشأنها علي الآخرين، وبالأحرى فإنه يجب ألا يشيد صراحة بنفسه وألا يتباهى بها، وعليه أيضاً ألا يتبرع بالإشادة بأحدهم أو بنسبة درجات على أو صفات حسنة إليه أو قدرات وإمكانات خارقة بدون علم.

الغيـب

إن مجال الإيمان هو عالم الغيب، والغيب هو كل ما غاب عن الإدراك العادي للإنسان، وهو أيضاً ما يقع خارج نطاق مفاهيمه وتصوراته، والمصدر المعتمد لكل ما يتعلق به هو الكتاب العزيز، وقد يحدث أن يطَّلع أحد الأفراد على أمور غيبية بالنسبة إلي الآخرين وهذا أمر جائز من حيث أن الإنسان لم يحط بكافة الملكات والحواس والقدرات الإنسانية المستترة, ولكن هذا الإطلاع هو أمر ذاتي, ولا يؤدي إلى علم مضبوط ولا يقدم  منهجا معتمدا يمكن أن يزيد من المعارف المفيدة كما ثبت على مدى التاريخ, لذلك لم يعتبر الدين مسلكا كهذا ولم يرتب عليه أحكاما فإن النادر لا حكم له, ولقد ألزم الرب سبحانه الناس بالإيمان بما ورد في الكتاب ونفي عن رسوله علم الغيب ونفاه بذلك بالأولى عمن هم دونه، كما علم الناس بذلك أن سبل إيقاظ حواس الإنسان الباطنة طلبا لهذا العلم ليست بمطلوبة شرعا ولن تؤدي إلى مصلحة محققة للإنسان, وذلك في حين أنه ألزم الناس بإعمال ملكاتهم  القلبية العامة والذهنية في الآيات الكتابية والكونية النفسية منها والآفاقية مما يدل على أن إعمال تلك الملكات هو السبيل الآمن والأفضل للرقي الإنساني.
------------
قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3)} (البقرة)، {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (البقرة: 285)، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)} (البقرة)، {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (البقرة: 177)، {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمْ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا(39)} (النساء)، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا(136)} (النساء)، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(69)} (المائدة)، {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ(18)} (التوبة)، {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(19)} (التوبة)، {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَه}ُ (المجادلة: 22).
إنه يجب على الإنسان الإيمان بكل ما ورد في الكتاب العزيز من الأمور الغيبية؛ فيؤمن باليوم الآخر وبملائكة الله وكتبه ورسله والنبيين إجمالا ويؤمن بالكتاب العزيز وبخاتم النبيين إيمانا تفصيليا خاصا؛ وذلك يقتضي أن يؤمن بكل ما أورده الكتاب من معلومات عن خاتم النبيين وعن اليوم الآخر، وهذا الكتاب وحده هو علم للساعة، وللإيمان بالبعث واليوم الآخر الأهمية الفائقة وهو العلامة الكبرى الفارقة بين المؤمن الحقيقي من ناحية وبين الفاسق والمنافق من ناحية أخري، ومن أكبر كبائر الإثم التي تؤدي إلي هلاك محقق لكيان الإنسان الجوهري الكفر باليوم الآخر، فمن يكفر باليوم الآخر فإنما يكفر بحقيقته الأساسية الجوهرية ويحكم علي نفسه بألا يعيش إلا من أجل مكوناته الدنيا وسيكون بذلك في أسفل سافلين.
وعلي المؤمن أن يلتزم بالموازين القرآنية فيما يتعلق بأمور الغيب، وما أورده الكتاب من المعلومات هي التي ينبغي أن يعول عليها وأن يؤخذ بها، والمؤمن غير مطالب بالإيمان بشيء لم يرد له ذكر في الكتاب.
------------
إن الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر هو من مقتضيات الإيمان بالإله الذي له الأسماء الحسني، ذلك لأن الإنسان المحدود المقيد لا يمكن أن يعرف أسماء من له الكمال الذاتي المطلق إلا عن طريق رسل مثله يستطيع أن يتعايش وأن يتعامل معهم، ومن عرف أن الله عليّ حكيم عرف أنه يلزم أن يتلقى أولئك الرسل الوحي عن طريق كائنات لطيفة هي الملائكة وعرف أن الله تعالي معتن بخلقه رحيم بهم يريد الصلاح والفلاح لهم ولذلك أرسل إليهم رسلاً منهم بالبينات والهدي والمعلومات اللازمة لكل ذلك وتضمنتها الكتب التي جاءوهم بها، ومن عرف الأسماء الحسني علم أن الله تعالي لم يترك خلقه سدي وأنه لابد من إحقاق الحق وتحقيق العدل وأنه لابد من يوم توفي فيه كل نفس نصيبها ويقضي فيما بينهم بالحق.
------------
إن الإيمان بالكتب والرسل هو من مقتضيات الإيمان بأسماء الله الحسنى والتي تشير إلى أن الله تعالى لم يخلق الناس عبثا ولم يتركهم سدي بل شاء أن يهديهم سبل الرشاد وأراد لهم الوصول إلى كمالهم المنشود، فهذا الإيمان يعنى أصلاً الإيمان بمنظومة أسماء الرحمة والهدى والإرشاد التي يمثل الرسل أكبر مظاهرها على المستوى الإنساني ويمثل ما أتوا به من رسالات مظاهرها على المستوى الأمري المعنوي، وبعد اكتمال الدين وختم الأنبياء وإنزال القرآن ونسخ ما سبق من الكتب والأديان فإن السبيل المأمون للنجاة والسعادة هو في الإيمان بالرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبرسالته التي هي القرآن، وهذا الإيمان يقتضى تدبر آيات الكتاب والعمل بمقتضى ذلك، وهذا هو ركن ديني آخر، والإيمان بالقرآن يقتضي التسليم بصدق كل ما ورد فيه من أنباء وعلوم وقيم وأسس ومبادئ وأحكام، لذلك فإن إنكار أية آية من آيات القرآن بأسلوب صريح أو ملتوٍ يهدم جزءاً من هذا الإيمان، وهذا الإنكار هو في الحقيقة من الكفر، ومن الأساليب الملتوية لإنكار آية من الآيات محاولة صرفها عن مدلولات ممكنة لها أو محاولة تأويلها ابتغاء الفتنة أو القول بنسخها.
------------
لقد اقتضت عظمة قدر الله تعالي أي طلاقة كماله اللانهائي المطلق كما اقتضت منظومة أسمائه الحسني أن يخلق كائناً ذا إرادة حرة واختيار ويكون هو الأداة المثلي لتفصيل الكمال المطلق وكمال ظهوره فكان الإنسان, ثم اقتضت منظومة أسماء الرحمة والهدي أن يكون ثمة طريق للإنسان نحو التحقق بكماله المنشود وبالسعادة في الدنيا والآخرة وألا تكلهم فقط إلي جهودهم الذاتية والتطورات الزمنية, فاصطفي الله سبحانه رسلا منهم هم من حيث حقائقهم الذاتية أقربهم إليه وأجمعهم لصفات الكمال, ولكنهم من حيث المظهر بشر مثلهم, فالكنه الذاتي للرسل هو فوق كل إدراك وتصور, والأسماء التي اقتضت حقائقهم الذاتية هي أعظم الأسماء إحكاما وإحاطة, لذلك فهم ليسوا مطالبين بالجهاد الروحاني العنيف لتزكية أنفسهم، وليسوا في حاجة إلي إيقاظ حواسهم الباطنة ولا إلي الانفعالات الوجدانية التي تؤدي إلي قول الشعر مثلا, وهم يبقون محتفظين بكافة الدوافع والملكات والقدرات البشرية لأنه أنيط بهم أن يكونوا الآلات المعتمدة لإتمام التشريعات وإنجازها وتحقيق المقاصد الدينية التي اقتضتها منظومة أسماء الرحمة والهدي والتي يمثلون هم أبرز مظاهرها، أما الكتب فهي جماع ما أوجبه الله تعالي من حيث منظومة أسماء الرحمة والهدي علي الأمم حتى يحققوا ما يريده لهم من السعادة في الدنيا والآخرة، وما أوجبه هو أوامر شرعية وسنن دينية والإيمان بما ذكره للناس من أنباء ومعلومات.

7 الإيمان بالغيب الوارد في الكتاب العزيز وعلى رأس ذلك الإيمان باليوم الآخر وملائكة الله وكتبه ورسله

هذا الركن يقتضي الإيمان بالغيب الوارد في الكتاب العزيز وعلى رأس ذلك الإيمان باليوم الآخر وملائكة الله وكتبه ورسله، فيجب الإيمان بكل ما ورد في القرآن عن عناصر الإيمان المذكورة.
إنه يجب الإيمان بالغيب المنصوص عليه في القرآن الكريم، فالقرآن الكريم هو المصدر الأوحد لكل ما يجب الإيمان به من أمور الغيب، والغيب يتضمن كل المعلومات والأمور التي لا يستطيع الإنسان تحت الظروف العادية إدراكها بحواسه الظاهرة المعلومة، والإنسان مأمور باتخاذ القرآن كمصدر أوحد لكافة أمور عالم الغيب التي يجب الإيمان بها.
------------
إن الإيمان مجاله الغيب، والغيب المقصود هو جماع المعلومات التي ذكرها الكتاب والتي لا يدركها الإنسان عادة بحواسه الظاهرة والتي قد تكون فوق ما ألفه الإنسان من كيانات ومفاهيم وتصورات، فالإيمان هو الإقرار بصحة هذا الغيب وحقانيته وصدقه، والإيمان محله الكيان الإنساني الجوهري الذي هو القلب، وهو يقتضى العمل، وكل عمل صدر بمقتضى الإيمان هو عمل صالح، وهو يدخل مع الإيمان في حلقة تغذية موجبة، فآثار العمل الصالح تؤدي إلى تقوية الإيمان وزيادته، والإيمان الأقوى يؤدي إلى تحسين وزيادة العمل الصالح كماً وكيفاً، وهذا مما يزيد من قوة ورقي آثار هذا العمل...وهكذا.
------------
والحد الأدنى اللازم للوفاء بهذا الركن هو الإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر، أما أدنى حد ممكن فهو الإيمان باليوم الآخر أي بحتمية البعث والحساب، وهو العلامة المميزة للأديان والتي تتضمن أن الإنسان ليس فقط هذا الجسد الظاهر بل لابد له من حقيقة جوهرية باطنة، فهذا الإيمان هو في الحقيقة إيمان ببقاء الكيان الجوهري للإنسان وبحتمية تحقق الفصل النهائي بين الناس وتحقق العدل.
------------
إن كتاب الله يقدم للإنسان معلومات عن عالم الغيب يجب عليه إن كان يريد التحقق بمراتب الإيمان والتقوى أن يؤمن بها، ولقد بين له أن كل ما يراه من ظواهر هو مصدق لتلك المعلومات لو أعمل فيها ما لديه من ملكات، ومما لا شك فيه أن ما يؤمن به الإنسان خاضع لإرادته ومقتضيات طبيعته، وهو يستحث في قلبه الإيمان بما يرى أن فيه تحقيق نفعٍ ما له، ويزداد يقينه بما آمن به بقدر نجاحه في تحقيق منافعه، وهو لا يضطر عادة إلي مراجعة نفسه إلا بتأثير الإحباط عند الفشل.
------------
إنه لا يجوز للإنسان أن ينكر أمراً غيبياً محتملاً دون توفر برهان ساطع أو سلطان مبين، ولو بدأ الإنسان مسيرته الحضارية بإنكار كل الأمور الغيبية لما ترك الغابة، فالإيمان الإيجابي بالغيب هو من حوافز وعوامل التقدم، وكان من أكبر تلك الأمور الغيبية الإيمان بإله خالق له الهيمنة على الأمور الكونية وهو أيضاً الملجأ والملاذ، ولقد تصور كل قوم هذا الإله وفق أحوالهم وظروف حياتهم وبيئتهم، وحيث أنه ليس لدى الإنسان من برهان قطعي ينفي وجود إله لهذا الكون فإن من الأفضل له أن يرجح وجوده، وحيث أن ثمة من زعم على مدى التاريخ أنه تلقى رسائل من هذا الإله فعلى الإنسان أن يحكم على تلك الرسالة طبقاً لما تتضمنه وليس طبقاً لما تزعمه كل طائفة لرسولها، وإذا ما سلم الإنسان بإمكانية الرسالة فليس من حقه أن يزعم أن رسوله هو الرسول الوحيد، فمن المنطق ألا يكون ثمة تفرقة بين الرسل، ولقد جعل الإسلام هذا الأمر المنطقي أمراً شرعياً وركناً من أركان الإيمان.
------------
إن أهم الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها اليوم الآخر وملائكة الله وكتبه ورسله، والعلوم الطبيعية هي التي قدمت للناس البراهين علي حتمية فناء الأرض والكون المادي فهي تساعد الناس علي الإيمان بالأمور الغيبية الأخرى مثل التفاصيل الواردة عن الجنة والنار وتسجيل الأعمال وتأثيرها علي كيان الإنسان وإمكانية وجود أكوان ذات طبيعة مغايرة لما يألفه الإنسان.
------------
الإيمان بالملائكة يتضمن الإيمان بهم أي بما أورده القرآن عنهم، فيؤمن المسلم بأن لله ملائكة خلقهم لطاعته ووصفهم بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون وأن منهم من يعمل لصالح الإنسان بصفة عامة والمؤمنين بصفة خاصة، وهذا الإيمان يفتح للإنسان باب السمو الروحاني والوجداني ويؤهله للعيش السعيد في الآخرة، والملائكة أصناف كثيرة، منهم الموكلون بحمل العرش، ومنهم الصافات والزاجرات والمرسلات ومنهم خزنة الجنة والنار، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد.
------------
يجب الإيمان إجمالاً بأن الله سبحانه قد أنزل كتباً على أنبيائه ورسله لبيان حقه والدعوة إليه وإعلامهم بمراده منهم، وقد ذكر بعضها في القرآن وأثني عليها، وهذا الإيمان هو فرع من الإيمان بالله الذي له الأسماء الحسنى والسمات والأفعال والشئون المذكورة في القرآن ومنها أنه لم يترك الإنسان سدى وأن من سماته الرحمة والرأفة والهدى، والقرآن الكريم هو أفضل الكتب وخاتمها وله الهيمنة عليها، وهو المصدق لها، أي المصدق لما أنزل منها بالفعل وليس الذي هو لديهم الآن، فمنه يجب أن يتبين لهم ما نزِّل علي أنبيائهم، وهو الذي يغني عنها.