الجمعة، 9 نوفمبر 2012

الإمامة


الإمامة 


قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة124، {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }هود17، {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ }الحجر79، {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }الإسراء71، {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }الفرقان74، {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ }يس12، {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ }الأحقاف12.

إن الإمام بصفة عامة هو الكيان الذي جُعِل سبباً لتوحيد الاتجاه لمجموعة من الكيانات على أي مستوى من المستويات، لذلك فهو قد يكون إنساناً وقد يكون كتاباً.
والإمام هو من جُعِل سببا لتوحيد اتجاه أو قبلة أو مقصد الناس على أي مستوى من المستويات، أي من جُعِل سبباً لعمل (Alignment) أو (Coherency) لهم فيكون بمثابة قوة محفزة لاتساقهم وتوحد اتجاهاتهم مما يضاعف من قوتهم، والإمام في الخير يتولى الإمامة بجعلٍ الهي أي وفقاً لسنن إلهية، فهو لا يصل إلي مرتبة كهذه إلا إذا حقق قدراً معلوما من الرقي والسمو علي المستوي الجوهري.
ومن لوازم الإمامة الدينية الحقيقية التفوق القلبي الجوهري والالتزام بنهج لدعم وترسيخ هذا التفوق، والإمامة تفرض نفسها.
والإمامة لا تعني بالضرورة ولاية أمر الجماعة المؤمنة وإنما الإمام هو من استحق التقدم علي الناس في أمر من الأمور لأنه أجدر بأن يقتدي به وأن يتبع فيه، فهو بالنسبة إلي أمر ما المقدم من أولي هذا الأمر.
إنه قد يتمادى إنسان ما في الخير وقد يتمادى في الشر ويكون ذا شخصية مشعة كاريزمية فيستحق بذلك أن يكون إماما في المجال الذي تمادي فيه ورسخ في نفسه، ولقد كان إبراهيم عليه السلام إماما في الخير وكان آل فرعون أئمة في الشر، والإمامة في الخير لا تكون أبدا لظالم، والوصول إلي مرتبة الإمامة يستلزم توفر شروط معينة وسريان نسق خاص من القوانين والسنن، ولقد كانت قريش بحكم طبيعتها وإمكانات أبنائها مؤهلة أكثر من غيرها من القبائل العربية لكي يكون منها أئمتهم في الخير أو في الشر، ولقد أثبت التاريخ ذلك، لذلك كانت الإمامة في القرون الأولي فيهم، فالمروية المنسوبة إلي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقرر وتبين هذا الأمر الواقع، وليس ثمة علاقة ضرورية بين الإمامة وبين ولاية أمر الناس، فكم من إمام لم يتول أمر أحد من الناس، لذلك فالمروية المعلومة لا تلزم الناس بألا يولوا عليهم إلا قرشيا، ولكن الأمويين هم الذين تعمدوا تحريف معناها ليكسبوا تسلطهم الشرعية المفتقدة، وبالطبع فإن كل مزاعم القرشيين تتناقض مع كل ما أتي به الإسلام ومع سماته، فلا قيمة لها.
إن الكتاب العزيز هو المرجع الأوحد لكل المصطلحات الدينية، وهو لم يستعمل الإمامة بمعنى ولاية الأمر، ولكن الإمامة الحقيقية في مجال الخير هي أن يصل الإنسان إلى مرتبة فائقة من السمو والرقي على المستوى الجوهري الباطني بحيث يكون من الطبيعي والبديهي أن يأتم الناس به في أمور الدين والهدى والرشاد، وتلك الإمامة بحكم طبيعتها وبحكم مقتضيات الأمور لا يمكن أن تحتكرها قبيلة معينة لنفسها ولا شعب مختار لنفسه، ولقد بين الكتاب مراراً وتكرارا أن الناس يتفاضلون بالتقوى والعمل الصالح ونفع الناس وأنهم سواسية وخلقوا من نفس واحدة، فالإمامة لمن وفى بشروطها وكان أهلا لها ولم يكن من الظالمين، أما الملك فإن الله تعالى يؤتيه من يشاء أي وفق قوانين وسنن معلومة لديه، أما ولاية الأمر فهي كما تشرح نفسها بتعريفها هي لمن هو أولى وأجدر بها، والأمر لا يعني بالضرورة الحكم وإنما هو أعم من ذلك بكثير، فهو يعبر عن كل عمل أو علم أو نشاط إنساني ممكن، ولقد عين الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للناس أئمة من كافة القبائل ولم يقصر الإمامة أبدا على القرشيين، وكذلك كان الأمر في الإمارة فلقد كان يولى الأصلح والأكفأ ومن يتوسم فيه الخير والاستعداد ليكون قائدا، ولقد ولى أسامة بن زيد وكان شاباً الإمارة على جيش كان فيه الصديق والفاروق، وعندما احتج الحزب القرشي أنبهم بشدة وأعلن عليهم أنه خليق بالإمارة كما كان أبوه خليقاً بها، وإذا كان قد اختص بعض القرشيين ببعض المنح والعطايا فلقد كان لذلك أسبابه الخاصة التي أعلنها وبيَّنها وكلها كانت لخدمة أغراض الدعوة، إن أفعاله الثابتة تلك لهي أدل على سنته الحقيقية من المرويات التي لفقت من بعد أو حرفت لتضفي الشرعية المفتقدة على حكم الأمويين والعباسيين وتسلطهم، ولقد كانت سنته في تعيين الأمراء هي أول ما نقضه المسلمون إذ سرعان ما استأثر الحزب القرشي بالأمر من دون الناس، ولم يتخذوا من الأنصار وزراء كما تعهدوا بذلك في السقيفة، وأسندت قيادة الجيوش وولاية الأمور في البلدان المفتوحة إلى رجال الحزب القرشي أو من مالأهم، وكان كثير منهم من الطلقاء أو حديثي العهد بالإسلام أو ممن لم يتلقوا التربية والتزكية اللازمة على يد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان نقض سنته في ولاية الأمر من أكبر أسباب الفتنة من بعد.
إنه لا ينبغي الخلط كما تعمد السلف أن يفعلوا بين الإمامة في الخير وبين ولاية الأمر، فالإمامة منوطة بالتقوى والتفوق الجوهري الباطني وسمو الملكات الإنسانية الحقيقية والوجاهة عند الله تعالي، أما ولاية الأمر فهي منوطة بالمقدرة أو الكفاءة أو التمكن من الأمر المعنى، لذلك فللإمامة رجالها ولولاية الأمر رجالها، لذلك فإن تفوق إنسانٍ ما في أمر محدد كالطب أو الهندسة مثلا لا يجعله بالضرورة إماما، فالإمامة هي نوع من الوجاهة أو الرياسة الدينية المستحقة، وهي تفرض نفسها علي الناس بل وعلي المتصف بها، وقد تجتمع مستلزمات الأمرين في شخص واحد بمعنى أن يكون الإمام متفوقاً في أحد المجالات الأخرى ومتمكنا منها مثلا.
وبالنسبة إلي أهل القرن الأول كان من الطبيعي أن يكون الأئمة من قريش، فلقد كان منهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ نفسه وكان منهم أكابر السابقين الأولين من المهاجرين، وكانت قريش تتفوق بالفعل على باقي العرب والأعراب في المستوى العام وكان باقي العرب والأعراب يسلمون لهم بذلك، ولكن هذا لا يقتضي ولا يستلزم استئثار قريش بالقيام بالأمر ولا استبعادهم السابقين الأولين من الأنصار منه؛ ذلك لأن الإمامة شيء والقيام بأمور الناس شيء آخر.

المراجع (كتب المؤلف أ. د. حسني أحمد):
1-           الأسماء الحسنى والسبع المثاني، 2002.
2-           الأسماء الحسنى في القرآن العظيم (قراءة جديدة)، دار النهار،  2002.
3-           الإحصاء العلمي للأسماء الحسني، دار النهار،  2003.
4-            المقاصد العظمي في القرآن الكريم، دار الأستاذ، 2004.
5-            نظرات جديدة في الحقائق والأصول، 2005.
6-            نظرات جديدة في المصطلحات، 2005.
7-            نظرات جديدة في الآيات، 2006.
8-            من هدي الآيات، 2006.
9-            المقصد الديني الأول، 2006.
10-       نظرات في السنن والمرويات، 2006.
11-       الأسس النظرية لدين الحق، 2006.
12-       نظرات إضافية في المصطلحات، 2007.
13-       نظرات عامة جديدة، 2007.
14-       نظرات في التاريخ، 2008.

وسائل المعرفـة


إن الحواس هي وسائل تلقي التأثيرات من الكائنات، وكل حاسة تتلقى من التأثيرات ما يقع في مجالها، وتلك التأثيرات تنتقل إلى الدماغ الذي هو الآلة المادية للقلب الإنساني حيث تتم معالجتها، ويقوم القلب باستيعابها وتفسيرها وفقاً لما هو مبرمج عليه ووفقا لما لديه من معلومات مسبقة، وهذا القلب قابل ايضاً لأن يحمل ببرامج إضافية ولأن يكتسب باستمرار معلومات إضافية وذلك بتأثير البيئة الثقافية وما تم اكتسابه من معارف وخبرات جديدة.
أما الكتب وحاويات البيانات والنصوص الأخرى فهي لا تتحول بالنسبة لإنسان ما إلى مصدر حقيقي للمعلومات إلا بناءً على موقفه هو منها، ولملكات الإنسان دخل كبير في تحديد هذا الموقف، وهذا الموقف هو من مجالات الإرادة الإنسانية الحرة، ولا يمكن لذلك تغيير طبيعة الأمور، فالدنيا دار ابتلاء، ومصير كل إنسان بمقتضي الحقيقة الإنسانية معلق باختياراته.
وللكيان الإنساني الجوهري حواسه الخاصة التي تشير كل حاسة ظاهرة إلى حاسة منها، والإنسان عادة ما يهمل أمر مثل هذه الحواس، وممارسة أركان الدين الحقيقية هي الوسيلة للتنمية الآمنة أو لتزكية مثل هذه الحواس حتى يتمكن الإنسان من الانتفاع بها في الدار الآخرة، أما الانتفاع بتنميتها في الدنيا فليس مطلوباً بذاته، ومن جعل تنمية مثل هذه الحواس أكبر همه ومبلغ علمه قد يستدرج به ويَضل ويُضل غيره، ذلك لأنه لن يتلقى من عالم الخيال إلا ما هو متوافق معه وما هو على استعداد له.