التوكل يتضمن إسناد مهام أو أعمال إلى الموكل ليقوم بها
نيابة عن موكله وهو يستند إلى ثقة الموكل بالموكل إليه، والتوكل علي الله تعالي
مرتبط بحسن الظن به وبالثقة به، فالإنسان مطالب بأن يثق بربه، ومن ذلك أن يعلم أنه
قد نبأه في كتابه بكل ما يلزمه من معلومات ومعارف وأوامر وقوانين وسنن وكل ما هو
كفيل بتحقيق السعادة له في الدنيا والآخرة، وكذلك حذره مما يمكن أن يعرضه للهلاك،
فالاعتقاد بأن ثمة أمورا كبري لم يتضمنها الكتاب أو يبينها يندرج تحت سوء الظن
بالله تعالي، ومن ذلك اقتراف المعاصي؛ فالعاصي المصر علي معصيته يظن أن ربه يريد
حرمانه من الاستمتاع ومن السعادة أو هو ينكر وجود ربه أصلا أو لا يقيم له وزنا.
------------
إن التوكل على الله تعالى وتفويض الأمر إليه
والفرار إليه والاعتماد علي حوله وقوته من تفاصيل هذا الركن، وهذه صفات تقتضى
أفعالا وكلها من لوازم القيام بحقوق الأسماء الحسني، فالتوكل من تفاصيل ولوازم ركن
الإيمان بالله تعالي والقيام بمقتضياته.
------------
إن التوكل علي الله أمر ديني واجب وفرض
لازم وهو ركن فرعي من أركان الدين، وهو من مقتضيات ولوازم الإيمان بالإله الذي له
الأسماء الحسني ومن مقتضيات القيام بحقوق تلك الأسماء ومن الصفات التي أعلن الله
تعالى بكل وضوح أنه يحبها ويحب المتحققين بها، وهو بذلك من لوازم إقامة صلة وثيقة
بالله تعالى، ولقد وردت الأوامر الخاصة به في الكتاب بصيغ أقوي وأكثر عددا من تلك
الخاصة بالحج والصيام، وهذا الاصطلاح يطلق على أمرين :
1-
الحالة القلبية
(الوجدانية العرفانية الذهنية) التي تعنى وتتضمن التحقق بالمعرفة اللازمة بالله
تعالى وبأسمائه الحسنى وما اقتضته من القوانين والسنن والإيمان واليقين اللازم لكل
ذلك، فيؤمن الإنسان بقدرة الله تعالى المطلقة وعلمه الشامل وإحاطته بالأمور ويوقن
بأنه هو الذي يدبر الأمر ويفصِّل الآيات ويسير أمور الكائنات وأنه ما من دابة إلا
هو آخذ بناصيتها، فتلك الحالة تتضمن الثقة التامة بالله تعالي وتستلزم أن يفوض الإنسان
كل أموره إليه وأن يؤمن بأنه معه يسمع ويرى ويراقب ويرتب الآثار على النتائج ويسير
الأمر وفق قوانينه وسننه وأنه لا تبديل ولا تحويل لكلماته.
2-
جماع الآليات والوسائل التي
يمكن أن تؤدى إلى اكتساب تلك الحالة الوجدانية، ولقد فوَّض الله تعالي أمرها إلي الناس
لأنها تختلف باختلاف الأشخاص والعصور بل وتختلف باختلاف أحوال نفس الشخص، ومن
الآليات الممكنة تكرار ذكر العبارات التي هي بمثابة استجابة للأوامر الإلهية
الخاصة بالتوكل، فإذا قال الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ
وَكِيلاً} فيردد الإنسان سرا وجهرا العبارة الآتية: (توكلت عَلَى اللّهِ وَكَفَى
بِاللّهِ وَكِيلاً)، وإذا قال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} يردد
الإنسان: (تَوَكَّلْت عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) مع الحضور القلبي والتركيز
واستحضار كافة المعاني اللازمة لهذا القول وأن يتأدب الإنسان بالأدب اللازم لذلك،
ولابد بالطبع من المداومة على هذا العمل كما يداوم الإنسان على تناول الطعام مثلا
حتى يزود الإنسان كافة كياناته بما يلزمها من طاقات.
واكتساب
صفة أو إحساس أو حالة وجدانية يلزم الإنسان بالعمل وفق مقتضياتها، وهذا يؤدي إلي
ترسيخ تلك الصفة.